جاء صوتها هامساً منكسراً مليئاً بالاحباط، يشعرك ان الحياة مجموعة من لحظات الانكسار، لا شيء يبعث على البهجة او يستحق الابتسام.. تؤكد انها تجاوزت الاربعين بعدة سنوات لا تعرف من الحياة الا قبول آراء اخوتها وامها العجوز بعد ان كانت لا تسمع الا صوت والدها ولا تنفذ الا اوامره وطلباته.. هي لم تعد ترغب في الزواج لانها لا تتوقعه فقط..، هي لا تحلم ان تدرس لانها لا تعتقد ان ذلك ممكن..؟ هي لا تريد الا ان تعمل فقط لتخرج من المنزل لتستنشق هواء آخر غير الهواء الممتلئ بنظرات العتب تارة والذل تارة أخرى.. انسانة تعيش معنا في بلادنا تستظل براية لا اله الا الله ومع ذلك لا تعرف ان كانت المراة ترث اباها..؟ ولا تستطيع الحصول على الضمان الاجتماعي لان اخوتها لا يريدون تقديم اوراقها بحجة حفاظهم على ماء الوجه تاركين ماء وجهها ينسكب كل صباح ومساء مع زوجاتهم وابنائهم حيث تاهت العلاقة بينها وبينهم فلم تعد تعرف ان كانت اختاً لهذا او عمة لذاك.. تعلم فقط انها مخلوق عليه الصبر والالتزام بإرضاء الجميع منذ ساعات الصباح وحتى يشاء الله وتنام منهكة او باكية، تنام وقد نسيت انها اكلت عشائها او انطوى بطنها على حزنها فاختلط الشبع بالألم والحزن.. رغم سنين عمرها التي تجاوزت الاربعين فانها لا تعرف ان كان للانسان كيان او كرامة إن كان للمراة حق التعبير عن رأيها او خروج صوتها لابداء الرأي وليس فقط للبكاء او تعابير الاستجابة والخضوع لكل الطلبات القادمة من هذا او ذاك.. ذلك الصوت المنخفض الى حد الغياب ليس حالة شاذة والاكيد انه لم يعد يمتد بامتداد تضاريس البلاد ولكنه موجود هنا وهناك موجود في بلاد تستظل براية التوحيد مما يعني منهج العدالة.. ذلك الصوت الباهت المليئة تعابيره بشحوب الموت والانكسار لا يعلن مطالبهن، انهن فقط يردن العمل الشريف ليخرجن من سجن المنزل وليتجاوزن مطالب السجان اخاً او أبا.. تلك الاصوات المنكسرة لابد ان تذهب لها ادارة الحماية الاجتماعية، ولابد ان تذهب لها هيئة حقوق الانسان، لابد ان تذهب لهن كل المؤسسات المسؤولة عن كرامة الانسان وحقوق الانسان.. لا نريد ان يزداد الانكسار في حناجر تلك النساء لانهن منا لأنهن جزء من منظومتنا الاجتماعية.. لانهن بنات واخوات وامهات لنا.. انهن يحملن ما نحمل من قلوب وعقول والاكيد انهن كان لهن طموحات واحلام بزوج يحتضن مشاعرهن وابن يتغنين معه باشراقة الصباح.. الآن فقط يردن الحياة ببعض الكرامة ولكن اصواتهن ضعيفة الى حد الموت والغياب..، يهمس احد تلك الاصوات في اذني عبر الهاتف اريد فقط ان اعمل لآكل بكرامة لا اريد ان اشارك اخوتي طعامهم وادفع مقابل ذلك كرامتي المهانة من زوجاتهم وابنائهم.. تلك الانكسارات التي تخترق صميم وجدان تلك النسوة من يعالجها من يشارك في لئم الجرح.. اخشى ان صدى صوتي يعود مؤكدا ان لا احد يدرك عمق آلامهن وبالتالي حاجتهن ليد حانية تحمي نساء يبكين ألماً بعد كل صلاة في خشوعهن لرب العباد..