احتكار الأراضي دون بناء أو بيع هو مراهنة على ارتفاع أسعارها مع مضي الزمن، فالزمن لا يمضي بذهاب سنة ومجيء أخرى في روزنامة التقويم، ولو كان حساب الزمن بهذه الطريقة لما حدث فرق بين ما مضى منه وما بقي. إن مضي الزمن يعني في حساب المحتكرين للأراضي ازدياد الحاجة إليها بولادة أُسَر واستقلالها عن منزل الوالدين، وتكاثر النازحين من الأرياف والبلدات الصغيرة إلى هذه المدينة أو تلك، والرغبة في اتساع المنزل وبحبوحته بعد سنوات من الكسب أو بحلول التقاعد... الخ. ولقد أصبح احتكار الأراضي في المملكة تجارة وثقافة، فكل من امتلك فائضاً من المال قليلاً أو كثيراً فإن الطريق المضمون لاستثماره أن يشتري قطعة أو أكثر من قطع الأراضي وبخاصة تلك البعيدة عن العمران والخالية من الخدمات، لأن أسعارها متواضعة، ثم يتركها للزمن. ولم تكن الفكرة حديثة العهد بل قديمة ومتجددة منذ ابتدأت مدننا تتسع وتتطور، فهناك قطع كبيرة من الأراضي البيضاء داخل مدن كبرى مثل جدة والرياض وغيرهما، يحوطها البنيان ويضيق بالناس من كل جوانبها وهي ما تزال تنتظر زيادة في سعرها!. وتتأصل الفكرة لدى الناس وتتوارث، ويتناقل وصيتها الأبناء عن آبائهم، فالعقار «يمرض لكنه لا يموت»!. ويزيد من التعلق بها انحسار أبواب الاستثمار والمرابحة أو انغلاقها في إيداعات البنوك أو شراء الأسهم وغيرهما من طرق تنمية المدَّخرات. بل إن احتكار الأراضي أصبح نشاطاً مرادفاً لممارسة التجارة وضماناً لها عند كبار التُّجار ونشاطاً مناسباً لكبار الموظفين لأنه لا يحتاج إلى تفرغ ومتابعة. احتكار الأراضي في المملكة، على هذا النحو، أدى إلى شحها، وشحها هو أقوى أسباب أزمة الإسكان الحالية. وهو في الوقت نفسه أحد أسباب وضع اليد على الأراضي العامة، ونمو العشوائيات، أو السكن في مساكن لا تليق بالبشر. لن يكون الحل لشح الأراضي -إذاً- إلا بمكافحة احتكار الأراضي، وهذه المكافحة لن تكون بغير إحداث ما يُخِل بعلاقة المراهنة على الزمن في اقتنائها وتَرْكها عاطلة من البناء، وذلك بفرض ضريبة تصاعدية عليها، تزداد بازدياد مساحتها. وبذلك لا يتساوى المحتكِرون حقاً من أصحاب المساحات الكبيرة مع من يمتلك أرضاً صغيرة وينتظر توافر مبلغ لبنائها. ونتيجة ذلك هي اضطرار المحتكِرين للأراضي إلى بيعها، وهي نتيجة ستثمر عن توافر الأراضي واعتدال أسعارها. هذا هو معنى العبارة التي تناقلتها الصحف عن معالي وزير الإسكان: «يا تبيع.. يا تبني!» مختصراً بها استراتيجيته في مكافحة احتكار الأراضي البيضاء بفرض الرسوم عليها. وهي عبارة موجَّهة إلى المحتكِر ومحاصرة له بخيارين يفضان طوق العطالة عن الأراضي، لا ثالث لهما إلا الخسارة. لكن بساطة الفكرة الشديدة تثير السؤال عن تأخُّر تنفيذها إلى الآن، ومن ثم تثير الشك في قدرة الوزارة على تنفيذها. فقد ظل الفقه التقليدي يمانع في فرض الرسوم أو جباية الزكاة على الأراضي المحتكَرة بحجة أنها معدَّة للسكن. لذلك فإن نجاح الوزارة في تنفيذ الفكرة هو نجاحها في فض ما يشبه التحالف بين الفقه التقليدي والمحتكِرين للأراضي! للكاتب / صالح زياد - صحيفة الشرق