دعا إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين الى ضرورة إيجاد مظلة علمية شرعية معتبرة تتولى الإشراف على تعبير الرؤى لضبط فوضى العابرين والمستعبرين ومغباتها وما يصاحبها من ضجيج اعلامي في الفضائيات على وجه الخصوص، واسناد مهمة تفسير الأحلام إلى المؤهلين والاكفاء. وبين السديس ان تأويل الرؤيا بمنزلة القتوى، لا يخاض غمارها إلا بفهم وعلم. وقال في خطبة الجمعة امس : “ لا يرتاب أهل الإيمان أن شريعة الإسلام قصدت إلى حفظ الدين والسمو بالعقول والإفهام ونأت بأتباعها عن مسالك الأضاليل والأوهام ؛ وإنه بالتَّدَبُّر في دَفتر الأكوان، يَرْتَدُّ إليْنا بَصَرُ الإعْجَازِ والبُرْهان، بأعظم حُجَج القرْآن، أنَّ الإنسان هو أكْرَم الجَوَاهِر، بما أوْدَع البَاري فِيه من آياته البَوَاهر، ومِن ذلكم آية زَخَرَتْ بِالعِبَرْ، وتَعَلَّق بها جَمٌّ غَفير مِن البَشر، وحَارت في دَلائِلها الفِكر، عَجَزَ دُونَ تَجْلِيَةِ حَقَائِقِهَا العَالِمون، وشَطَّ عن حَدِّها العَارِفون، أبْحَرُوا في أسْرَارِها وخَوافِيها، فاشْتجَرَت مَذَاهِبُهم دُون كُنْهِهَا وأنَّى تُوَافِيها؛ لأن أقوالهم عَطِلَةٌ عَن البُرْهان، فأشبَهَتِ الهَذَيَان، لكن الحبيب بأبِي هو وأُمِّي عليه الصَّلاة والسَّلام، قد أوْضَحَها وجَلاَّها، فَتَدَلَّت لَنَا كالشّمس في ضُحَاها، إنها آية الرُّؤى والأحْلام: ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ وفي بَيَانِ مَعَانِيها وأقسَامِها، ومَاهِيّتها ومَرَامِها، يقول: “الرُّؤية ثلاثة: فرُؤيا صَالِحَة بُشرَى من الله، ورؤيَا تحْزينٌ من الشَّيطان، ورُؤيَا مِمَّا يُحَدِّث به المَرْء نَفْسَه” رواه البخاري ومسلم واللّفظ له. وأضاف فضيلته قائلا : وتنويهًا بِمَنْزِلة الرُّؤْيا الشريفة، وحَالَتِها المنيفة فقد بوب أئمة الحديث في الصحاح والسنن أبوابا في الرؤى وتعبيرها يقول :”الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة” خرجه الشيخان، لِقوله : “إذا اقْترَب الزَّمان لم تكَدْ رُؤيَا المؤمن تكذِب، وأصْدقهم رؤيَا أصْدقهم حديثًا” متفق عليه. وأفاد الشيخ عبدالرحمن السديس أنه في أعقاب الزمن ولما بعد كثير من الناس عن آثار النبوة وفي عَصْرِنا الصَّاخِب بالفضائِيَّات، الموَّار بِالتِّقانات تصَدَّر لِهذا العِلْم العَوِيص الغَيْبِي، والفَنّ اللَّطيفِ السَّنِي ثُلَّةٌ مِن العابرين، وطَرق مَضَائقه الكَأدَاء، فئة من المُتعالِمين، فَعَبَرُوا المَرَائي على مَا يَسُرُّ الرَّائي وَفْق الحَدْس والأهواء، دُون ريْثٍ أو إبْطاء، فَكَم مِن أضْغاثِ الأحْلام تبْنَى عليها الخَيَالاتُ والأوهام، فَتَهْدِم الحَقَائق، وتُفَكِّكُ أوثق العَلائق فيُصْبح الأوِدَّاء، والأزْواج والآبَاء، في عَنَتٍ وعَنَاء. وتسأل فضيلته : كم هم الذين أسْلَسُوا قِيَادَهم لِبَوَارِق الرُّؤى تبْنِي أمْجَادَهم؟، وكم هم الذين زُعْزِعَت بُيُوتهم الهَانِئَة بالشُّكوكِ والهَواجس بِسَبَبِ تَعَابِير جَانِحة؟، وآخرون اغْتالت نفوسهم المُطمَئنّة الغُمَمُ والوَسَاوس بتفسِيرَاتٍ كالحة. وبين فضيلته أن تأويل الرؤيا بِمَنزلة الفَتْوَى، فَلا تُخاض غِمَارُ الرُّؤى إلاّ بِفَهم وعِلم، وبَصِيرَة نَافِذَةٍ وحِلْم، وَلا يَعْبُرُها إلاَّ حَاذِقٌ خَفِي، أو مَاهِر نقِي أو عالم تقي، قد عَلِم شروطها وضوابطها، ورُموزها ورَوَابطها ، مشيرا إلى أنه من المقرر عند علماء الإسلام أن الرؤى والأحلام لا تبنى عليها الأحكام. وأهاب فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بالمسلمين التوكل على الله في جميع الأمور ، مؤكدا أن مَصَائِرَ الخلق بِيَد الله - عَزَّ وجل - وإنَّ الإعلام الهَادِف المسؤول، هو الوثيق الإيمان بِرِسَالَتِه البَنَّاءة، عظيمُ المُغَالات بِها، الإعلام الذي يُزكِّي الأرْوَاح ويَرْتقي بالأمم إلى الكمال الذي لا تُحَدُّ آفَاقه مطالبا بضرورة مناداة حُرَّاسِ العقيدَة وحُمَاةِ المِلَّة، والأخْيَارِ والجِلَّة؛ لِمَحْوِ فَوْضَى العَابِرين والمستعْبِرين ومَغَبَّاتِها، وضَجِيجها ومَعَرَّاتِها، وضبْطِها في المُؤهلين والأكفاء، دُونَ الدُّخلاء، الرّاكضين شَطْر الأضوَاء، الذين رَنَّقُوا سَلْسَال هذا العلم النّمير بالتّغيير والتّكْدِير، مُتجاسرين على ما استَأثر به العزيز القدير، وأن تسْتنفر المؤسسات والطاقات للحدّ من غلواء هذا التّيار الزّخار حيال رسوخنا العقدي، وتميزنا الاجتماعي، وتراثنا الثقافي، ورخائنا الأمني، وإنقاذ المجتمعات من منزلق قد يكون عميقًا، ولكنه يوشك أن يكون على طرف الثُّمَامِ حقيقًا. وشرح الدكتور السديس أن التَّهافتُ اللَّهيف حِيال تعبير الرُّؤى، مع الغُلُوِّ فيها والتهويل، والتواكل عليها والتعويل، والخروج بها عن سَنن النُّبُوَّة الوسط، إلى حَيِّز الشطط، تَأَذُّنٌ لِرَواج الأبَاطيل، واسْتشرَاء الأقاويل، والافتآت على شرع الله دون سِناد أو دليل، ومَن احْتبَسَ عليها عقله ورُوحه، فعن هدي سَيِّد الثّقلين، عليه الصلاة والسلام قدْ حَاد، ولَن يَبْلُغ شرْوى نَقيرٍ من المُرَاد. ونادى فضيلته من أسمهاهم بالحالِمين الواهِمين المَنَامِيُّين قائلا :علام اللَّهَاث صَوْب العابرين ، فَمَا كانت الأحْلام أبَدًا وقَطُّ وعَوْضُ لارتقاب النُّبوغ والإبدَاع، وترَادُف النّعم والإمْراع، أو جَلب الحظوظ والسعادة والمنازل العليّة والسِّيادة، ولو أنَّ الأسْلاف الأخيار تَكَأكَؤوا على هذا المَهْيع، وشغلوا به مُدُنَهم وبَوَادِيهم، ومجتمعاتِهم ونَوَادِيهم –على ما أنتم عليه - لَمَا حَقَّقُوا نَصْرَا، ولَمَا فتحوا مِصْرَا، ولا بلغوا كمالاً ولا جلالا، فكيف تريدون نكوصًا عنهم واختلالا، وهم الذين عاصروا التنزيل وشهدوا التأويل. وإنه نظرًا لتفشي هذه الظاهرة وامتطاء فئام من الناس لصهوتها وهم ليسوا من أهلها فإن المؤمل إيجاد مظلة علمية شرعية معتبرة تتولى الإشراف على هذه القضية المهمة فتميز الأكفياء عن الأدعياء حفاظا لبيضة الدين وحراسة للملة والديانة وسموًا بعقول أبناء الأمة.