بابا غذينا وطربوش والو مين.. كوميدية أسماء المحلات التجارية للأسماء معاني ودلائل عدة وهي تعكس التوجه السياسي والاجتماعي لسكان المنطقة سوء كانت تطلق على الأشخاص أو الأماكن أو المحلات التجارية وهذا ما يلاحظه الزائر لام الدنيا "مصر" تحديداً فيتعجب لأمر سكانها ، حين يقولون عن فلان أنه "واد ابن حرام" فهذه كنية عن أنه أسطورة في الذكاء ، وحين يريدون وصف شيء بأنه لا مثيل له يقولون أنه "جاحد"، متجاهلين في سبيل ذلك المدلول اللفظي لهذه الكلمات الذي يعبر أولهما عن سب في الشرف والثاني صفة مقيتة جدا في البشر ألا وهي الجحود ، الأمر نفسه يشاهده كل من يرتاد شوارع معظم المدن المصرية وتحديداً القاهرة ويتأمل لوحات المحلات التجارية فلا بد أن يضرب كفا بكف ، وخصوصا أسماء المطاعم التي تدعو للضحك حينا ، وللجنون فمعظم الأوقات ، وهذا ما دعاني أتوقف عنده في زياراتي لبعض المدن المصرية وخاصة في زيارتي الأخيرة فقد كانت لوحات المحلات ذات الأسماء المحلية تجعلك تتوقف لتتأملها ومن تم لا تجد مفر من الضحك الخفي مما كتب عليها ، ليس هذا فحسب بل أن وصف أي شخص من سكان المنطقة لهذا المحل أو ذاك ورغم غرابة الاسم الأ أنه يوصفه لك وكان المحل واسمه لا مثيل له في أي بقعة من بقاع الأرض الواسعة وهذا صحيح وفي نفس الوقت غريب كغرابة محدثك المتحمس ، كما أن هذا الشعب البسيط لا يجد حرج أطلاقاً من وصف مجموعة أو سكان منطقة أخري بصفات محمودة في أحيان وغير محمودة في معظم الأوقات ، فتجده يكيل لهم الأوصاف الشنيعة وكأنهم أعداء له ولإبائه وأجداده. أسماء المحلات التجارية بمصر دعاني للبحث عن الأسباب ووجدت أن لها تاريخ فهي ليست أسماء كتبت لاستخراج رخصة من البلدية أو من أجل لفت الانتباه فحسب بل أن تلك الأسماء تدل على زمن معين ووقت محدد فقد عكست أسماء المحلات في مصر الأحوال السياسية والفكرية والثقافية السائدة في كل حقبة تاريخية ، ففي أوج التوجه القومي لمصر كان اسم "العروبة" يحتل مساحة هامة لأسماء المحلات التجارية ، بينما مع تنامي الدور الأمريكي في المنطقة العربية ، حمل أحد المحلات اسم "كوندوليزا رايس" وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ، ومع ثورة يوليو ، بدأت تظهر أسماء المحلات ذات الطابع الوطني والقومي والعروبي ، فظهرت محلات بقالة وخضروات وأدوات منزلية وغيرها تحمل أسماء مثل "الجلاء والعروبة والنصر والحرية والقومية والوحدة والجمهورية والتحرير" ، كما ظهرت أسماء دول وشخصيات بعينها ارتبط أصحابها بعلاقات وطيدة مع مصر في تلك الفترة ، منها على سبيل المثال لا الحصر "اليمن وسوريا ونهرو وتيتو". وبعد فترة السبعينيات ظهرت أسماء غريبة لم يعتدها المصريون وإن فرحوا بها واعتبرها كثيرون"فاتحة خير" من الناحية الاقتصادية فمثلاً ظهرت محلات صغيرة تحمل أسماء مثل "فاشون تريدينغ ورد شو واميغو ودريمز" وغيرها الكثير. ومع العولمة ، ظهرت محلات مثل "سامبا ورُمبا ولاتينو وجيبسيز وموناليزا وبيكاسو وتشاو" واختفت تماماً أو كادت الأسماء التي تنم عن انتماءات أو تحيزات للتيار الحكومي. ومع هذا فالفوضى الخلاقة عرفت طريقها إلى عالم أسماء المحلات ولم تتوقف عند حدود وزيرة الخارجية الأميركية "كونداليزا رايس" السابقة فهناك مثلاً مقهى في مدينة مرسى مطروح الساحلية اسمه "آخر عنطزة" وآخر يحمل اسم "الليل وآخره" أما حي مدينة نصر في القاهرة مثلاً ، فيحفل بكم مذهل من أسماء المقاهي (كوفي شوب) الغريبة ، ومنها "طقاطيقو وروشنة وعسولة". هذه الأسماء تجعل كل من يزور مصر يتوقف عندها ليسأل عن أسباب التسمية ودوافعها وماذا تعني لهم ، فليس من الممكن المرور عليها كأسماء عادية بل هي بالفعل محط تسأل. هذا ليس السبب الوحيد الذي جعلني شخصياً أتوقف عند تلك المحلات من أجل أن أتسأل عن أسباب تسميتها بل لأجل مقارنتها مع أسماء المحلات التي بدأت تنتشر لدينا في بعض المدن السعودية والتي منها "بابا غذينا وطربوش وعلى الماشي والو مين وببلاش" وغيرها من الأسماء الغريبة التي لا نعرف كيف تم السماح لأصحابها إطلاق هذه الأسماء على محلاتهم من قبل الجهات المختصة ، ومما يزيد الأمر استغراباً أن لدينا العديد من لوحات المحلات التي لا تستطيع فهمها حيث أن كاتبها بالتأكيد ليس عربياً أصلاً فأما أنه قام بترجمة الاسم من لغة أخرى أو قام بكتابته حسب نطقه هو للاسم ومثال على ذلك "شريف محل كهرباء وآم قرى لمواد غذائية" وغيرها من أسماء المحلات التجارية. هذه الظاهرة تحتاج لوقفة جادة من المسئولين لتصحيحها وإنهائها فهي بلا شك غير جيدة وغير منطقية لشعب لغته لغة عظيمة انزل بها أفضل الكتب السماوية للبشرية. المهندس/عبدالله عمر العمودي