لماذا يجب ان نعلم اطفالنا التفاؤل..؟ الانسان المتفائل كثيرا ما ترتسم على محياه الابتسامة حتى وهو منخرطا في ممارسة الاعمال الشاقة, التي ينجزها بمهنية عالية, ذلك ان مشاعره التفائلية تمنحه المشاعر الايجابية التي تهمس في دواخل اعماقه, ان غدا سيكون افضل حالا..ان التفاؤل يصنع السعادة والنجاح, والسؤال هل نستطيع تعليم التفاؤل ومتى وكيف, سنجيب في هذا المقال المقتضب بعد ان نسلط الضوء على الخصائص التي يتمتع بها المتفائلين. الباحث مارتن سيلجمان بحث لسنوات عدة سلوكيات كل من المتفائلين والمتشائمين, ووجد مع غيره من الباحثين ان المتفائلين يتمتعون عن غيرهم بمزايا عديدة من اهما نذكر مايلي: 1-يتفوقون في الصحة البدنية والنفسية في دراسة تحتوي على 99 طالبا في جامعة هارفرد, وجد الباحث ان المتفائلين وهم في 25 من العمر كانوا بعد بلوغهم سن ال 45 الى 60 يتمتعون بصحة جيدة بالمقارنة مع زملائهم المتشائمين. وفي دراسة اخرى وجد ارتفاع معدل الامراض المعدية, واعتلال الصحة, والوفاة المبكرة بين الاسخاص ذو الطبيعة التشاؤمية. 2- تحقيق انجازات افضل في احد دراسات سيلجمان, يشير الى انه قام بتحليل طريقة اداء عددا من الفرق الرياضية, ووجد ان الفرق الاكثر تفاؤلا حققت نتائج ايجابية تفوق بمرات الفرق المتشائمة..وذكر قائمة طويلة لرجال اعمال وساسة واساتذة كبار تعرضوا لمصاعب في بداية حياتهم الا انهم وبفضل تفاؤلهم استطاعوا ان يواصلوا المسيرة ويحققوا النجاحات الباهرة, بينما يرى ان المتشائمين ينهارون بسرعة امام ابسط العقبات ما تجعلهم فريسة للاحباط المؤدي للفشل في التعاطي الجيد مع الحياة.. 3-المثابرة والاصرار تشير الدراسات حسب الباحث الى ان المتفائلين لا يستسلمون بسهولة كما المتشائمين, ولهذا السبب فانهم وباحتمالية كبيرة يجتازون الصعاب ويحققون النجاحات . 4-الصحة العاطفية في دراسة اكلينيكية حول المجهدين النفسيين, وانا هنا افضل استخدام \"مجهد\" بدلا من \"مريض\", اكتشف انه بعد 12 اسبوعا من المعالجة النفسية-الذهنية (وهذه تحتوي على اعادة تشكيل النمط التفكيري) اكتشف ان المعالجة قد حققت مفعولا افضل من العقاقير الطبية, وكانت نتائجها طويلة الامد بخلاف العقاقير ذات المفعول المؤقت, وكانت اجراءات المعالجة تتم وفق التصورات التفائلية وهذا ما عجل بشفاؤهم.. هل يمكن تعليم التفاؤل..؟ نعم, تشير الابحاث الى ان غرس قيمة التفاؤل ممكنة جدا لدى طفلك في مراحل عمره الاولى, والعلماء يركزون على هذه المرحلة العمرية من 1 الى 5 سنوات لانها الفترة التي يتشكل فيها الدماغ وتنمو وتترابط اكثر من مليار خلية عصبية تشكل نماذج لغوية محتوية على التجارب التي تلتصق فيها ان جازت العبارة, ومنها ما يطفح على السطح كاللغة واخرى تكون مطمورة في اللاوعي, والحقيقة ان تجاربنا المطمورة في اللاوعي وكما اثبتت الابحاث العلمية المستجدة وما تركته من اثار قد تكون سلبية ام ايجابية تسيطر على الكثير من القرارات التي نتخذها وتسير غالبا سلوكنا وتصوراتنا حول الحياة والواقع من حولنا..ولذا فان غرس القيم الجميلة ومن ضمنها قيمة التفاؤل تبدأ من التنشئة المثالية في سنوات اعمارنا المبكرة, طبعا, هناك من الباحثين من يعتقد ان التفاؤل قد يكون وراثيا لكن وجد ايضا ان البيئة قد تلعب دورا مؤثرا في استمراره او تعديله. هنا سنحاول تسليط الضوء على بعض الاجراءات التي قد تساعد الوالدين في تفعيل او غرس قيمة التفاؤل لدى اطفالهم كما يعتقد سيلجمان .. اولا: ساعدهم في خوض تجارب ناجحة الطفل غريزيا يطور مشاعر احترامة لذاته \"الفخر والزهو\" وكذلك مشاعر التفاؤل من خلال تعرضة لتجارب ناجحة يؤديها بنفسه, لذلك ابدأ بتدريب طفلا منذو الصغر وامنحهم الاستقلالية في خوض هذه التجارب مع توجيههم للعمل وليس عملها لهم, مثال ذلك, حاول منح طفلك او طفلتك مسؤلية تنظيم وترتيب مكتبة التلفاز او طاولة المطبخ ومن ثم اجعله او هي يشعرون باهمية ما انجزوه.. ثانيا: ساعده في تكوين تصورات وتطلعات مستقبلية تتفق وقدراته عندما يحقق طفلك نجاحا ولو بسيطا, حاول ان تشرح له كيف انه بجهوده الفردية ساهم في تحقيقه, ومن ثم اشعره بتميزه بدون مبالغة, لان الطفل لديه حاسية قوية لادراك الثناء الزائف. مثال, قل له, انت ذكي والمستقبل امامك لتصبح ما تريد, طبعا من الخطأ ان توجه طفلا الى مهنة او حرفة معينة, والسبب انك قد تخلق في ذاته صراعا قد يعيقه من حتى التصالح مع ذاته, اتركه يختار ما يود تحقيقه بناء على قدراته وتصوراته الحقيقية عن ذاته , حينما ندرك هذه الحقيقة فاننا قطعا سندفع باولادنا الى النجاح., ونقودهم الى الفشل اذا ما وجهناهم بطريقتنا التقليدية, مثال ذلك, تأكيد الاباء القول لاطفالهم: \"اريدك ان تصبح طيارا او مهندس او دكتورأ\", مع انها قد تعين البعض لكن الالحاح وتكرار هذه المطالب تعتبر ممارسات خاطئة.. ثالثا: لا تثني او تمدح طفلك بشكل عشوائي يعتقد الباحث ان مدحك لطفلك في كل شيء يقوم به بدلا من مساعدته في خوض تجارب نجاح حقيقية و في تجاوز العقبات المعقولة, قد تضر بطفلك, فمن شأن المدح المبالغ فيه ان يخلق في وجدانه مشاعر توحدية انانية مفرطة تفقده القدرة على تكوين صداقات جيدة مع اقرانه, يترتب على ذلك عزلته وبالتالي يصبح عرضة للاصابة بالاكتئاب لاحقا..ولذلك يوصي بكمية معقولة من الثناء المناسب للانجاز او النجاح وايضا حينما يخفق فعليك ان تشعره بذلك وبلغه لطيفة جدا.. رابعا: صادق على سلوكه لكن اجعله يفكر ويتسائل عندما يواجه طفلك اخفاقا ما او يقع في موقف محرج او سلبي, ايد وادعم مشاعر طفلك لكن اسأله بعض الاسئلة لتجعله يرى الاشياء او المشكلة من زاوية اكثر ايجابية وتفاؤل.. في الاخير: يقول الباحث هناك ضغوط من كل الاتجاهات تجبرنا على الانفاق المادي على اطفالنا, لكن بعض اهم ما يحتاجه الاطفال لا نستطيع شراءه لهم, ويرى ان غرس التفاؤل في وجدان اطفالنا من بين هذه الاحتياجات الضرورية التي لا نعيرها الاهتمام المستحق, ويؤكد ان مساعدة اطفالنا في ان يكونوا متفائلين وان ينظروا للحياة من المنظار الاكثر اشراقا, نكون بذلك قد خلقنا فيهم اولى خطوات التهيئة النفسية لمواجهة التحديات والاحباطات وتحويلها الى نجاحات.. ويقول باحث اخر, اننا نحاول اسعاد اطفالنا من خلال الانفاق حد البذخ على الالعاب والملبوسات وفي تعليمهم التعليم الراقي ليكونوا مستقبلا كوادر مؤهلة وقادرة على الاعتماد على نفسها, لكن من المؤسف له اننا لانعمل بما فيه الكفاية لجعلهم يفكرون بشكل ايجابي, أي متفائلين, وهذه القيمة التفائلية كما يقول تعد من اهم عوامل النجاح والعيش بسعادة ورضى, وتعتبر لدى اخرين صمام الدفاع ضد الكثير من الامراض النفسية والعضوية.. د.سالم موسى كلية اللغات والترجمة جامعة الملك خالد