ثنائية المسؤولية في كارثة جدة لم يعد هناك أدنى شك في أن ما حدث في مدينة جدة ما هو إلا نتيجة إدارة فاسدة أو إدارات فاسدة متعاقبة ، لم تَرْقُب في الوطن ولا المواطن إلاً ولا ذمة ، وأخذت تنتهز جميع الظروف والفرص المتاحة أمامها للإثراء غير المشروع مُستغلة في ذلك السبات العميق الذي تعيشه أجهزتنا الرقابية على كثرتها ، واختلاف أشكالها ، وتنوع اختصاصاتها ، فهذه الإدارات الفاسدة التي أوردتنا المهالك تعلم علم اليقين بأن الأجهزة الرقابية التي تُرهق ميزانية الدولة بمئات الملايين من الريالات سنويا غير معنية بما يجري في مشهد حياتنا اليومية من المآسي والنكبات ، فكل الأخبار لديها غير صحيحة ، وكل الشكاوى لديها كيدية ، بل إن هذه الأجهزة قد أصبحت بمرور الزمن مجرد أجهزة بيروقراطية تقليدية ، محدودة الصلاحيات ، عقيمة العمل ، فقيرة الإنجاز . إن العدل يقتضي ونحن نحاكم اليوم هؤلاء الفاسدين ألا نُغفل شريكهم في هذه الجريمة ، وأقصد بذلك الشريك المسؤولين عن جميع الأجهزة الرقابية الذين واكبوا هذا الفساد كل هذه السنين ، وتركوه يترعرع وينمو كالنبتة الشيطانية الخبيثة ، فلا أحد خارج دائرة المساءلة عن هذه الكارثة الإنسانية والدينية والوطنية والإدارية والأخلاقية والبيئية التي حلت بمدينة جدة ، بوابة مكةالمكرمة ، عروس البحر الأحمر ، قبلة المواطنين السياحية والتسوقية والعلاجية ، ولا أحد بريء من دم هذا المواطن الغلبان الذي طالما استنزف على مرأى ومسمع من الجميع ، فلولا اطمئنان الأول إلى غفلة شريكه الثاني ، ولولا المال السائب ، والحبل الغارب لما حدث كل ما حدث أو على الأقل لم يكن ليحدث بمثل هذه الصورة البشعة التي ستحفر مكانها في ذاكرتنا ردحا من الزمن . وأجدها مناسبة كي أمارس حقي كمواطن في المحاسبة ، وأن أتوجه بتساؤلاتي إلى أصحاب الضمائر شبه الميتة ، وأصحاب البطون الممتلئة ، أصحاب الدم البارد والوجه الكاحل ، وأقول لهم : هل كُنّتم بحاجة لكل هذه الجثث ؟ هل كُنَّتم بحاجة لكل هذا الدمار ؟ هل كُنّتم بحاجة لكل هذه الفواجع ؟ ما رأيكم في هذه المشاهد التراجيدية التي صنعتها أيديكم ؟ ألم يكن بالإمكان إخراجها بأقل من هذا الشلال الضخم من الدم والدموع ؟ هل تعتقدون أيها السادة الكبار أنكم لا زلتم تستحقون الكراسي التي تلتصقون بها ؟ بل هل تعتقدون أنكم لا زلتم تستحقون العيش على ظهر هذه الأرض الطيبة ؟ قبل أن تجيبوني على أسئلتي هذه ، أريد أن أعرف شيئا واحداً فقط ، هل سمعتم عن شيء اسمه (الحياء) ؟! . وأخيراً أيها المفسدون في الأرض شكراً لكم فقد أحسنتم من حيث أسأتم ، وأكرمتم من حيث أهنتم ، وأعطيتم من حيث منعتم ، لقد أصبح لنا في كل بيت شهيد أو مصاب ، وفي كل حي دمار أو خراب ، وهذه كلها بشائر خير – إن شاء الله – عندما نقف معكم أمام القوي العزيز ، أمام العدل الحكم ، أمام نصير المظلومين ، ومتوعد الظالمين ، غدا لنا موعد لن نُخْلفه نحن ولا أنتم مكان سوى ، غداً أيها العارون في الدَّارين سنرى خُذلانكم وخزيكم ، غداً سيشف صدور قوم مؤمنين ، فقد استعوضنا الله في هذه الحقيرة العاجلة بالعظيمة الآجلة ، فلترتعوا كيفما شئتم ، فاليوم عمل وغداً حساب ، وسيعلم الذين ظلموا أي مُنقلب ينقلبون . أحمد بن محمد اليماني [email protected]