في شريعتنا الحنيفيّة السمحة أخلاقٌ عالية وأدبٌ عظيم وفضائل عدة ، لكن المصيبة غفلة كثير من المسلمين عن هذه الأخلاق والقيم وتناسيهم لها وعدم عملهم بها ، فينشأ النشء من غير أن يقيم لتلك الأخلاق وزناً ، وكان المطلوب منا جميعاً أن نربي نشأنا التربية الإسلامية الصحيحة على الأخلاق الإسلامية والقيم الإسلامية التي يسعد بها الفرد في حياته وآخرته ، شريعة الإسلام جاءت بما يقوي الروابط بين أفراد المجتمع صغيره وكبيره ، غنيه وفقيره ، عالمه وجاهله. جاءت بما يقوي تلك الأواصر حتى يكون المجتمع المسلم مجتمعاً مثالياً في فضائله وقيمه ، وفي شريعة الله كل خير وهدى (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين). ومن تلكم الآداب العظيمة ما جاءت به الشريعة من حث الصغار على احترام الكبار وأمر الصغار بإجلال الكبار وتعظيمهم والرفق بهم وعدم التطاول عليهم أقوالاً وأفعالاً. هذه شريعة الإسلام تدعو المسلم إلى أن يكرم أخاه المسلم الذي تقدمه سناً وسبقه في هذه الحياة ، تدعوه إلى أن يحترمه ويكرمه ويراعي له كبره وسابقته في الإسلام ، فيجل الكبير ويحترمه ، ويعرف له قدره ومكانته ، والكبير مأمور برحمة الصغار والعطف عليهم والرفق بهم والإحسان اليهم. هذه المنافع المتبادلة بين أفراد المجتمع المسلم تثبت أواصر الحب والوئام بين الجماعة المسلمة. إن نبينا محمداً حثنا على هذا الخلق الكريم ورغبنا فيه ، فأولاً: يبين لنا نبينا أن من أحسن إلى الكبير في الدنيا هيأ الله لذلك المحسن عند كبر سنه ورقة عظمه من يجازيه بهذا العمل الصالح ، فيقول: (ما من مسلم يكرم ذا الشيبة إلا قيض الله له من يكرمه في سنه) ، فإذا أكرمت ذا الكبر لسنه قيض الله لك في حياتك من يجازيك بمثل ما عملت ، فيكرمك ويحسن إليك. ونبينا يخبرنا أن إكرامنا لمن هو أقدمنا سناً أن ذلك من تعظيمنا لربنا وإجلالنا لربنا ، يقول: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة من المسلمين وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وذي السلطان المقسط) ، فمن إجلال الله أن تكرم هؤلاء الثلاثة: ذو الشيبة من أهل الإسلام ، تكرمه ، ترحم كبره ،تخاطبه بخطاب لين ، تقضي حاجته ، تعينه على نوائب الدنيا ، تعرف له كبره وضعف قوته وعجزه عن التصرف ، فكل هذه الأمور تكون في فكرك ، فتعامل ذا الشيبة المعاملة الطيبة التي تنم عن رحمة وأدب حسن. ثانياً: من كان حاملاً لكتاب الله الحمل الشرعي ، ليس غالياً فيه ، فإن الغالي في القرآن يخرج به غلوه عن المنهج والطريق السوي كما خرج بفرقة الخوارج الذين ساء فهمهم للقرآن وقل وعيهم وإدراكهم حتى استحلوا دماء المسلمين ، كفروهم واستحلوا دماءهم وأموالهم ، والغالي في القرآن تراه متكبراً على غيره مكفراً لغيره معتقداً ضلال غيره بلا فكر ولا رأي مصيب ، أو الجافي عنه الذي حمله فعطل العمل به ولم يقم بحقوقه ، عافانا الله وإياكم من ذلك. وذو السلطان المقسط العادل تكرمه لإمامته وقيامه بشأن رعيته.