لأن التاريخ جذور للحضارة وشموخها موروث الأجيال القادمة نستطيع بثقة تدوين أبعاد البطولات وسرد قصص الأمجاد في ذاكرة الحياة . ولأن (الهوية) التي منحنا إياها الوطن تجسد الوعي والاعتزاز بتفاصيل جذورها وتعكس لمعان الواقع ، فإنه حري بكل سعودي أن يقف متأملا مسيرة النماء بسواعد ملوكنا (الرموز) الذين خُلدت أسماؤهم وإنجازاتهم على صفحات الزمن بالثوابت الدينية الراسخة والقواعد الإسلامية العظيمة التي اتخذوها ركيزة أساسية لا حياد عنها يسيرون عليها وتركت لنا بصمة نترجم من خلالها قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا وأفكارنا . أصبح لليوم الأول من الميزان من كل عام ذكراه وصداه التي نسترجع من خلالها ملحمة البطولات التي صاغ مفرداتها مؤسس المملكة العربية السعودية (الرمز) جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه عندما أعلن قيام الدولة في الأول من الميزان عام 1351ه بعد رحلة كفاح استمرت 32 عاماً لتوحيد أرجاء المملكة بدأت عندما استرد الرياض في الخامس من شوال عام 1319ه 1902م ليبدأ مرحلة البناء الحضاري للدولة داخلياً وخارجياً. واليوم الخميس 14 شوال 1431هجرية قمرية الموافق 23 سبتمبر 2010م الاول من الميزان عام 1389 هجرية شمسية يصادف الذكرى الثمانين لليوم الوطني التي تُعيد إلى الأذهان هذه الأمجاد في ترسيخ كيان دولة سعودية ترفع راية الإيمان، بدأها المؤسس المتفرد بإنجازاته الملك عبدالعزيز آل سعود وكانت من أجل الوحدة الوطنية والتوحيد والبناء والعطاء، وندعمها بمسيرة أبنائه البررة من بعده الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله ، ونفتخر بحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله وبنظرته الثاقبة وحنكته السياسية. وبطبيعة الحال حين يكون الغرس مباركاً حتما تكون الثمار طيبة والخيرات وفيرة فالأمانة والقيادة وجهان لعملة واحدة رسمت خطواتها وفق إستراتيجية سليمة تحمل على عاتقها مسؤولية الحفاظ على الهوية في ضوء التعايش مع المعاصرة الممزوجة بالتراث والحضارة والممتدة إلى عمق الأرض في بلاغتها وتمسكها بعقيدتها. فحين تُضيف المعاصرة إلى رصيدنا الثقافي ما يدعمه من أجل استثمار الطاقات وتجديد الحيوية واستنهاض الهمة والحفاظ على الأصالة ذلك ما يميز تسارع خطوات النمو في المجتمع السعودي . ونحن نسير عبر سنوات ذات شموع مضيئة يسطع نورها كلما مررنا بتلك الصخور التي نحتت الأحداث عليها ملحمة رجل فذ صنع المجد من أجل بناء الغد وجمع شتات المتنافرين ووحد كلمة المتفرقين وأكسبهم العزة والشرف وجعل منهم مواطنين صالحين. لقد عمد الملك عبدالعزيز منذ الوهلة الاولى إلى تقوية بناء الدولة داخلياً من خلال تمتين نسيج الوحدة الوطنية وبنقله في حياة الشعب بالعمل على تحسين وضع المملكة الاجتماعي والاقتصادي حيث اولى اهتماماً خاصاً بالأمن والأمان والدفاع عن الوطن وبفتح المدارس والمعاهد وارسل البعثات الى الخارج وشجع على طباعة الكتب خاصة الكتب العربية والاسلامية واهتم بمحاربة البدع والخرافات وانشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزودها بالامكانيات والصلاحيات، ووفر الماء والخدمات الطبية والوقائية لحجاج بيت الله الحرام، وقد وظف الملك المؤسس الاكتشاف النفطي الذي استخرج بكميات تجارية من اجل نهضة الوطن ورقيه وتقدمه وازدهاره فبدأت العملة الوطنية السعودية تأخذ مكانها الطبيعي بين عملات الدول الاخرى، وعادت ثمار النفط لتترجم في نهضة مذهلة تمثلت في الطرق البرية المعبدة والخط الحديدي الذي يربط بين الرياض والدمام وربط البلاد بشبكة من الاتصالات السلكية واللاسلكية ووضع نواة الطيران المدني والموانىء البحرية ومد خط انابيب النفط من الخليج الى موانىء البحر الابيض المتوسط، واهتم الملك المؤسس بمحاربة المرض وتوفير الخدمات الصحية فأنشئت المستشفيات والمراكز الصحية في مختلف مناطق المملكة، وغيرها من المرافق العامة ذات الصلة، وتأسيس الوزارات السيادية والخدمية. ولما كان الله جل شأنه قد شرف هذه البلاد الطاهرة بوجود الحرمين الشريفين فيها وأنها قبلة الزوار والمعتمرين والحجاج وقاصدي بيت الله الحرام فقد عمل الملك المؤسس على اصدار توجيهاته بالاهتمام بالحرمين وتوفير افضل ما يمكن ان يقدم من خدمات لضيوف الرحمن والأماكن المقدسة إذ بادر رحمه الله بوضع نظام للحجاج وأشرف بنفسه على تنفيذه من اجل ضمان اكبر قدر من الراحة والطمأنينة والمحافظة على أرواحهم وأموالهم، واتخذ رحمه الله من التدابير ما يمنع استغلالهم وعمل على تنفيذ كل ما يمكن ان يساعد على توفير سبل الراحة لهم. وامتد اهتمام القائد المؤسس ليجعل من الوطن الموحد وطناً على رواسخ قوية من المعرفة والعلم ومحاربة الجهل، وقد تكاملت كل تلك الجهود لتجعل من الدولة الموحدة دولة قوية البناء مكينة الاسس. وبعد معركة البناء الداخلي اتجه الملك المؤسس الى العالم الخارجي حيث سعى الى توثيق العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، فكانت سياسة المملكة الخارجية مبنية على وضوح الهدف والثبات على المبدأ ومناصرة الحق انطلاقاً من تعاليم الدين الاسلامي الحنيف الذي تأسست على قواعده هذه البلاد الطاهرة. وعمل الملك المؤسس من منطلق حرصه على تقوية وتعزيز الروابط مع الاشقاء بمد جسور التعاون والسعي الى توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم ولم شملهم وحل خلافاتهم بالتشاور فيما بينهم والاتفاق على الأهداف الاساسية التي تضمن لهم صيانة حقوقهم ومكتسباتهم، وأولى اهتماماً خاصاً للقضية الفلسطينية وهو ما جعل القضية الفلسطينية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن في أولويات الاهتمامات في السياسة السعودية الخارجية. وانطلاقاً من المكانة الاسلامية التي تتمتع بها دولة التوحيد فقد كان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه اول حاكم مسلم يدعو الى التضامن بين المسلمين ويضعه موضع التطبيق، حيث كان اول مؤتمر اسلامي دعا اليه الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عام 1345ه وحضرته وفود من الدول الاسلامية وكان هذا المؤتمر اول مناسبة جمعت ممثلي المسلمين في بعض الأقطار الاسلامية. اليوم ونحن نتأمل عصر النهضة الشاملة تحت لواء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية - حفظهم الله ورعاهم – تمتد هيكلة الحاضر إلى معالم المستقبل المشرق بمشيئة الله تعالى ، حيث كان عبق الماضي بداية الطريق وبإضافة لبنة إلى الأخرىيستمر الشموخ كما شموخ الحضارات.