كلما سنحت لي فرصة بزيارة الجمهورية التركية أحرص على أن يكون ضمن جدول زياراتي زيارات للمواقع التاريخية والمتاحف . وفي إحدى زياراتي كانت مكتبة السليمانية باسطنبول هي الهدف الذي أنشده بعد أن قرأت وسمعت عنها الكثير إذ تعد من أكثر المكتبات العالمية حفظا للمخطوطات . إذ تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المخطوطات البالغة نحو 67359 مخطوطة إضافة إلى نحو 49663 كتاباً مطبوعاً من الطبعات القديمة والنادرة من شتى أنواع العلوم والمعارف الإنسانية وهي جزء من مجمع بناه الخليفة العثماني الثاني سليمان القانوني الذي تولى الخلافة العثمانية بعد والده الخليفة العثماني الأول سليم الأول. والمجمع هو وقف خيري يضم إضافة إلى جامع السليمانية مدارس وكلية وسكناً للطلبة ومستشفى للولادة وسبيل للمياه وداراً للضيافة وسوقاً وعنابر التموين والمقبرة ودائرة الإفتاء إضافة للمكتبة التي تبلغ مساحتها نحو خمسة آلاف متر مربع واستغرقت عملية البناء نحو سبع سنوات وتم تدشين المجمع وافتتاحه عام 950 ه من قبل السلطان سليمان القانوني . ويتكون مبنى المكتبة من قسمين متقابلين يفصل بينهما ممر يؤدي إلى جامع السليمانية ويضم القِسم الغربي من المكتبة الإدارةَ وصالةَ المطالعة الكبرى وصالة المطالعة الصغرى وصالة قراءة الشرائط المصورة “الميكروفيلم والميكروفيش”، ومستودعات المخطوطات والمطبوعات النادرة وقسم تصوير المخطوطات على الميكروفيلم الذي بدأ نشاطه منذ سنة 1950م، فيما يضم القسمُ الشرقي قِسمَ التصوير الرقمي والأقراص المدمجة “سي دي” وقسمَ الصيانة والتجليد والتذهيب ومعرضَ الخط، ومعرضَ المخطوطات النادرة النفيسة. وفي القسم الشرقي من المكتبة توجد الصالة الكبرى والتي تضمّ أقدم المخطوطات المحفوظة في خزائن زجاجية تسمح بمشاهدتها بوضوح وبها مجموعة نادرة من المخطوطات العربية والعثمانية والفارسية. وأقدم مخطوطة في المكتبة هي مخطوطة جزء من القرآن الكريم مكتوب بالخط الكوفي على رق الغزال ويعود تاريخ نسخه إلى القرن الثالث الهجري وتأتي في مقدمة المخطوطات المصاحف الشريفة. وهناك مصاحف كتبها مشاهير الخطاطين مثل المصحفين الشريفين المكتوبين بخط الخطاط المشهور ياقوت المستعصمي وهما مقاسان صغير وكبير والصغير موجود في خزانة خوجا مصطفى تحت الرقم: 1 ويقع في 246 ورقة ومسطرته 10 × 16 سنتيمترا، ويوجد مصحف تحت الرقم: 19 في مكتبة السلطانة برتويناله والدة السلطان عبد العزيز، وقد جاء في آخره: “كتبه حمد الله المعروف بابن الشيخ في أوان شيبه مع ارتعاش رأسه في تسع وثمانين من عمره حامداً لله ومصليا على نبيه محمد وآله أجمعين” ومسطرة هذا المصحف في 13 × 20 سنتيمتراً. ومخطوطة كتاب الحشائش ومؤلفها هو الطبيب اليوناني اللسان ديوسقوريد الذي عاش في عين زربة وكان جراحا في الجيش الروماني زمن الأمبراطور نيرون الذي حكم من سنة 54 حتى سنة 68 م. وتُرجم الكتاب إلى اللغة العربية في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله من قبل اسطفان بن باسيل وصحح الترجمة حنين بن إسحاق وللكتاب عدة أسماء منها: الأعشاب أو كتاب الحشائش، أو هيولى علاج الطب. وصدرت دفاتر فهرسة لمجموعات المخطوطات في عهد السلطان عبد الحميد ولكنها غير كافية حيث فُقِدت بعض المخطوطات أثناء الحروب والكوارث الطبيعية، وأُضيفت مخطوطات أُخرى لم تكن موجودة في المكتبات أثناء العهد الحميدي، وهناك فهارس أُخرى مطبوعة صدرت بعد سنة 1979م وهي تتعلق بالمخطوطات الموجودة في عموم تركيا وعدد أجزائها 30 جزءا وهنالك الفهرس الإليكتروني ويشمل كل المخطوطات الموجودة في تركيا تقريباً سواءً المفهرس المطبوع منها على الورق، أو على البطاقات غير المطبوعة.