انسابت دموع شموعه مهزومة الأفواه تجري وراء خطوات متعبة ثكلى تئنّ من انكسار الجرح وهو عاكف يستجمع التفكير من ذيل العذاب وحيدٌ بين الغياب ومتاهات السراب . فقد حاول أن يسترجع الذكرى حتى نهاية عمقها واتساعها فتقاسيمها كانت مزروعة في ضوء الشمس وعشقها لديه كان ولايزال يسكن أحزانه القديمة. حاول أن يجمع ذرات تلك البقايا من العظام المنخور المعقود بكيس جلدي هش فقط ماقد تراه من جثته الغليظة علامات بارزة ربما تشبه إلى حدٍ بعيد جمجمة قد عفّى عليها الزمن . يتحرك ببطء شديد ذلك الهيكل العظمي ليأخذ دوره بين مجموعة تشكل له يداً واحدة ولقب مشترك مسافة قريبة ولكنها بالنسبة له بعيدة مرهقة . يحاول أن يسحب على هدوئه ذيول الصمود ولغة الصمت باتت بارزة للعيان على محياه . ارتمى بعد أن وصل اخيراً على تلك الأريكة وأرتمت قبله ونَّه حرَّي سبقها نزيف مالح من المحاجر فقد فغر ما بداخل تلك المهترئة ربما من هول ما أصابه من فجيعة حتى كادت أن تتوقف أشلاءها المعقدة . بدأوا يتهافتون عليه من كل حدب وصوب فمنهم من قبّل وجنتيه وأكتفى ومنهم من قبل جبينه وركض ومنهم من لمس بعضاً فيه وفرحتي أختفى وبينما هو كذلك حاول بعد جهدٍ مضنٍ أن يتصيد تلك البارقة من ذلك الشعاع الذي هبط لتوّه ليعيد له الذكرى ويجدد العهد ونقلته إلى حيث ماكانت وليس إلى ما آلت إليه . لون ربما أقرب إلى أزهار الليمون الصفراء التي أكتست خضرة الحياة كانت ترتديه فقد كان يترنم على أنغام هذا اللون وكانت لاتبخل به عليه أبداً فقد تعلمت منه كيف ترسم البسمة على كل الألوان ؟ .. وتعلم منها كيف يكون الحب بلا ألوان كانت تمشي الهوينا في تلك الليلة الساحرة وكانت لاتستطيع أن تخفي الدمعة عنه من شدة إنتصار الفرح على بوابة العشق . جادت نغمات صوتها الشجي بطرب لينسكب في محور محقنه لتتصاعد إهتزازات رأسه ذات اليمين وذات الشمال .جاءت لتخيط له في مفاصل ذكراه مايجب أن يعتني به أوقاتاً عديدة فبعد برهة من الزمن القادم لابد وأن تستريح في جوفه .. جاءت لتوقظ داخله حباً لن يموت حتى وإن كانت في ذلك الخندق المظلم .. أخذته بيدها بعيداً عن الجمع الغفير لتتواصل صرخة فرحتها فكم هي محتاجة ليعيد على مسامعها أنشودة الحنان السرمدي ومقاطع العشق القديم كانت بين كل لحظة وأخرى توصيه على نجومه وعقده وكان يحاول بكلتا يديه أن يتمسك بذلك السراب مخافة أن يتسرب منه الأمل ولكن هيهات أن يتسنى له ذلك فقد جاءه صوت الحق منادياً لصلاة العشاء حينها وقف يسبح لله وأدرك بإيمان ثابت ويقين راسخ بأن الحياة فانية وبأن كل نفسٍ ذائقة الموت وبأنها قد رحلت إلى جوار ربها وقبل أن يعود إلى حيث لن تعود إليه جاءوا من كل شقٍ لترتاح مدامعه وتتفتق حنجرته بحبل صوتي رخيم .. سأظل وفياً للعهد أيتها الوحيدة وسأظل أحبك أيتها العزيزة بكل ابتساماتي التي فقدت مني لأجلك وبكل دموعي التي أبت إلاّ أن تصاحب حيرتي وبكل ماتبقى من أنفاس حياتي فوجهك محفور على تجاعيد خاصرتي وعطرك يفوح في جلدي وفي أوراقي يفوح من نبضي ومن ألمي ومن أحداقي !!! . ومضة :- من شعري : ويلف صوتي برد خجول وعيناي في جوف الربيع تنظر لأعناب المساء والأشواق تركض مني تبحث عن رداء وتحتسي ماتشتهيه في أحداقها .. ويعود يقتلني الحنين وأنا أناظرها تحنو بنور ثقابها فتشعل الذكرى ويجود عقد الياسمين