الأخلاق الكريمة مشترك إنساني أطبقت الشرائع على تطلبه والثناء عليه وفضيلة السعي في تحصيله. وهو جزء أساس وضروري من مضمون الرسالات حتى قال صاحب الرسالة الخاتمة –صلى الله عليه وسلم-: “ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ” الموطأ والبيهقي والحاكم بلفظ (صالح الأخلاق). وها هنا حصر يدل على تعاظم أهمية الأخلاق ورسوخها. ولا أجدني محتاجاً إلى الاسترسال في هذا المطلب؛ لأنه مما أجمع عليه الناس فحتى الذين يحاربون الأخلاق أو يمارسون نقيضها؛ يعترفون بألسنتهم بقيمتها العالية ومكانها الرفيع! وقد يتكلف المرء الخلق في حال ما .. اعتياداً وتدريباً وهذا جيد. وفي الأثر عن أبي الدرداء، ويروى مرفوعاً: “إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعلُّمِ والحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ وَمَن يَتَحَرّ الخيرَ يُعْطَه ومن يَتوقَّ الشر يُوقه” الخطيب البغدادي في تاريخه بسند حسن وابن عساكر في تاريخه. لكن من المذموم جداً أن يتظاهر المرء بالخلق استغفالاً للآخرين واستجلاباً لمصلحة أو مداراة لظرف خاص. إن المحك الحقيقي للخلق الكريم هو الدأب والديمومة؛ ولذا قيل عن السفر: إنه يسفر عن أخلاق الرجال. فالخلق الحق يتجلى في البيت حين يتعامل المرء مع زوجه سنوات طوالاً في العسر واليسر والمنشط والمكره ويحاول أن يظل ممسكاً بزمام نفسه متحلياً بالصبر معرضاً عن اللغو متسامحاً كريماً فالخلق الصادق يبين على محك الزوجية والأسرة. وهكذا في الصحبة حين يكون الصاحب وفياً لا تغيره الأحوال. وما أندر الأوفياء! يا أوفياء وما أحلى الوفاء على تقلب الدهر من معط ومستلب أفديكمُ عصبةً لله قد خلصت فما تغيّر في خصب ولا جدب وما أكثر الذين يظن المرء أنهم عدته للدهر فإذا هم عون للشدائد عليه. كما قال ابن صمادح: وزهَّدني في الناس معرفتي بهم وطُول اختباري صاحباً بعد صاحبِ فلم تُرِني الأيامُ خِلّاً يسرُّني مباديه إلا ساءني في العواقبِ ولا قلت أرجوه لكشف مصيبة من الدهر إلا كان إحدى المصائب وتظل الحياة تجمل وتطيب بكم أيها الأوفياء الأخفياء الذين آليتم على أنفسكم ألا تغيركم الأحداث ولا تهزكم العواصف!. فلله أنتم ما أندركم! وما أطيب معدنكم! فطول الصحبة والزمالة والاختلاط تكشف متانة الأخلاق من سطحيتها . وثمة محك آخر يكشف عن صدق الأخلاق من كذبها، وهو: القوة والقدرة. فالضعيف قد يبدو حسن الخلق هادئ الطبع مسالماً ليس لأن هذا من طبعه ولكن لأنه يعجز ...!