الفساد الإداري كلمة خطيرة، ولكن البعض وللأسف يرددها كثيراً وبصوت مرتفع أحياناً، ويربط بينها وبين انتشار الجريمة لدينا، هذا الجريمة وخاصة عملية النشل العلني التي بدأنا نسمع عنها كثيراً في المجالس، إذ ربما تسمع في مجلس ما بعض القصص التي تزعجك، بل تقلقك عن أن فلاناً انتشل جواله من يده وهو يتكلم، وامرأة انتشلوا حقيبة يدها وهي تتسوق، وغلاماً تعرض للخطف، وأنا أدرك تماماً أن مثل هذه القصص إذا انتشرت في المجالس تتحول إلى إشاعة وتنتقل بين الناس بين الزيادة والحذف، حتى أن القصة الواحدة ربما تتحول إلى عشرات القصص، ولكن حتى لو أن هذه الأخبار كانت في أغلبها إشاعات.. فيكفي بعضها ليفزعنا ويجعلنا قلقين، ويجب على جميع الجهات المسوؤلة أن تتحرك وتدرس هذه الأمور وبدقة، وتعالجها قبل أن تنتشر فعلاً ويصعب، بل يستحيل علاجها، عندما تتحول إلى مرض مزمن يهدد المجتمع. أعود لعبارة الفساد الإداري الذي كان موضوعاً لمقالة نشرتها في جريدة الحياة قبل عام، بعد أن اعتذر أحد الأصدقاء من رؤساء التحرير في إحدى الصحف المحلية من نشرها إلا بحذف الفقرات منها، ولكن (الحياة) الجريدة والتي أسجل لها هذا الموقف وعن طريق أحد الزملاء، نشرتها كاملة وبدون حذف.. وقد أشرت فيها إلى ذلك الصحفي الجريء الذي سأل سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز عن وجود الفساد الإداري.. ولكن سموه بحنكته وحكمته لم يغضب من السؤال، وظل على ابتسامته المعهودة قائلاً إنه لايوجد فساد والحمد لله ولكن هناك خلل إداري، وهذا ما أكدته في مقالتي تلك لأن كلمة فساد كلمة يجب أن لاتطلق على علاتها لأن هناك فرقاً بين الخلل وبين الفساد، حتى لو أن بعض موظفي الدولة خان مسؤوليته لتساهله مع مخطئ ولم ينصف مظلوما، هذه المشاكل إن وجدت يجب أن لانرفعها إلى درجة الفساد الإداري. هذا التعليق دفعني إليه بعض الزملاء الذي اتهمني بالمجاملة بقولي أن هناك خللاً، وهو لايصل إلى درجة الفساد، وأحب أن أؤكد لهذا الصديق وغيره، أن كلمة فساد لاقدر الله إذا انتشرت فالكل سيدفع الثمن، الصغير والكبير، وستنتشر الجريمة بكل أنواعها، ولكن هذا لايعني أن نتجاهل وجود هذا الخلل الذي بلا شكل سيتحول إلى فساد، مما يضاعف المسؤولية على الجهات الرسمية لمعالجة هذا الخلل، وهذا لايعفي المواطن من المساهمة في علاج هذا الخلل بدءاً من حرصه على أداء المسؤولية الملقاة عليه بأمانة، وكذلك الجهات الإعلامية وخاصة الصحافة عليها أن تستفيد من هامش الحرية المتاح بعيداً عن المجاملات، وربما المصالح الشخصية الضيقة، لمن يعمل في هذا المجال الحساس، والمهم المساهمة في علاج مثل هذا الخلل، كما أن على مراكز الأحياء دوراً مهماً في المساهمة بتوعية المواطن للقيام بدوره الأمني في مساعدة رجال الأمن لأداء واجباتهم على أكمل وجه، إذ إن المواطن وكما قال سمو وزير الداخلية هو (رجل الأمن الأول وكذلك المدارس والكليات والأندية). ويحسن بنا التنويه بأن هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عندما أمر ولي الأمر بإنشائهما، كان الهدف الأول من وراء ذلك هو أن تكونا عيناً له حفظه الله لحماية حقوق الإنسان، من خلال تطبيق الأنظمة والقوانين التي وضعت لتنظيم العلاقة بين المواطن سواء أكان موظفاً أو مراجعاً لأي من الأجهزة الحكومية، كما أن عليها دوراً مهماً لدراسة الأنظمة والقوانين ومراجعتها، والمساهمة في وضع الجديد منها، بما يتوافق مع المعاهدات والمواثيق والصكوك التي وضعت لحماية حقوق الإنسان. كما أن على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد دوراً هاماً في اكتشاف مواطن هذا الخلل ومعالجته بالطريقة التي تضمن عدم تسلله ثانية إلى المجتمع والتي ننتظر منها أداء واجباتها والتي بلا شك ستساهم في معالجة هذا الخلل متى ما وجد.