كثيرة هي الكلمات التي تدونها الأقلام وتحفظها الأوراق وتحتضنها الأرفف داخل المكتبات العامة والشخصية لكنها بعيدة عن لمس اليد ونظرة العين فالبعض من أصحاب المكتبات الخاصة يرون أن ثقافة الإنسان وشخصيته ومكانته داخل المجتمع ووسط أقرانه تعتمد على مكتبة شخصية يزين بها مكتبه المنزلي أو صالونه ليراها الزوار ويسجلون إعجابهم بثقافته. وان سألته عن مؤلف كتاب البداية والنهاية أو مؤلف العقد الفريد اللذين يزينان رف المكتبة قال لك بإجابة سريعة الأول للجاحظ أما الثاني فهو للفرزدق وان واصلت الحديث معه عن ترجمتهما قال لك إنهما من أدباء العصر الجاهلي ووقتها قد تصاب بصدمة إما قلبية تؤدي بحياتك أو عقلية تصيبك بالجنون لأن الإجابة جاءت نتيجة لجهل الشخص وبعده عن الثقافة والمعلومة وتود حينها أن تطلب منه قراءة الصحف اليومية أو الاليكترونية لمدة عشرين عاما لينمي ثقافته العقلية وافقه المغلق . فمثل هذا الشخص مصاب بداء نفسي يفسره العلماء على أنه مركب النقص وهو (إحساس الشخص بأنه اقل من الآخرين بشان معين كالجمال أو الثقافة أو القبول الاجتماعي أي أن الحالة نسبية تتغير بتغير الأشخاص وليست حالة جسدية موجودة خلقية عنده). (والشعور بالنقص إحساس فطري يغوص داخل كل فرد منا بدرجات متفاوتة إنه أحد مكونات نفوسنا وكل إنسان لابد وأنه قد صادفه هذا الإحساس في فترة من حياته فمن منا لم يفشل ومن منا لم يصبه الإحباط في عمل قام به أو تجربة مر بها إنه شعور عابر لايلبث أن يمضي دون أن يترك أثرا .. لكنه اذا لمس في النفس ضعفا فإنه يطيب له المقام ويبدأ في بث سمومه وتحطيم الإنسان وهناك فرق بين الشعور بالنقص ومركب النقص فالشعور بالنقص إحساس بسيط يتعرض له الإنسان نتيجة إحساس اليم تجاه شئ صادفه أما مركب النقص فهو مصطلح يعني أن هناك نوازع مرضية قد استوطنت النفس بظلالها السوداء على حياة الإنسان وقيدت من انطلاقه). إن مايحتاجه البعض ممن يزينون مكتباتهم الشخصية بمجموعة من الكتب والمؤلفات ليس التباهي بإعدادها وقيمها المادية بقدر ماهو الفخر بمحتوياتها وماجنوه من ثمارها . فمتى تفتح الآفاق العلمية لدى هؤلاء بشكل يجعلهم قادرين على مقارعة الآخرين بأسلوب علمي وأدبي يؤكد أنهم فعلا قراء لكتب مكتباتهم أو حتى زائرين لها . ان المؤسف أن نرى مثل هؤلاء داخل مجتمعنا في حين نرى في الدول غير العربية أن المؤلفات العربية لاتزين المكتبات الشخصية لكنها تغذي صاحبها بالثقافة والعلم وأذكر أنه في إحدى زياراتي لمدينة اسطنبول التركية التقيت بشخص تعلم اللغة العربية من قراءته للكتب الدينية والأدبية وحينما سألته عن كتاب العقد الفريد وجدته ملما بمحتوياته بدءاً من ترجمة المؤلف ابن عبدربه مرورا بالطبعة ومصدرها وعدد الصفحات والفهرس. لحظتها تمنيت أن يكون بعض أصحاب المكتبات المنزلية لدينا يحملون نسبة 50% مما يحمله هذا التركي الذي يتحدث العربية بنوع من الصعوبة.