والقسم الرابع من أنواع العمل ما هو نافع في الدنيا لا في الآخرة، وذلك هو العمل الذي نقص فيه الاخلاص ولكنه حصلت فيه المتابعة، وهذا على القول الراجح في المسألة، فمن صلى مرائياً ولكنه احسن صلاته فأداها على وفق صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن وضوءه وصلي في الصف الأول وادى الصلاة على هيأتها واركانها وشروطها، ولكنه لم يكن مخلصا لله سبحانه وتعالى بل كان مرائياً ومسمعاً فهذا العمل يجزئه في الدنيا فيسقط عنه التكليف ولا يلزمه اعادة تلك الصلاة ولا قضاؤها، ولكنه غير نافع في الآخرة لأنه لم يقصد به وجه الله الكريم وهكذا في كل الأمور. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله، امام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : اني اخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه). وهذا الاخفاء للعبادة وعدم السعي لاطلاع الناس عليه لا يمنع ايضا اداءها في الجماعة ولا اداءها بين الناس او اظهارها بقصد الدعوة والتعليم، فذلك غير مناف للاخلاص لله تعالى. وكذلك من مظاهر الاخلاص لله سبحانه وتعالى اتقان كل عمل تولاه الانسان ولو لم يكن تحت الرقابة، فاذا كان في وظيفة وظف عليها وائتمن عليها اداها على احسن الوجوه ولو لم تكن الرقابة حاضرة ولو لم يكن تحت سطوة القانون، وكثير من الناس اذا تولوا على أعمال لم يؤدوها الا بقدر ما يتخلصون به من سطوة القانون، فااذ خلصوا من الرقابة تفلتوا وفرطوا في اعمالهم ولم يؤدوها على الوجه الصحيح لانهم عبيد العصا تعودوا على الخوف من سطوة القانون فقط، ولم يخلصوا لله سبحانه وتعالى ولم يقصدوا وجهه الكريم. أما من كان مخلصا لله سبحانه وتعالى فهو لا يبالي الرقباء حضروا او غابوا وهو مغن عن المتابعة قائم بالعمل على أحسن الوجوه سواء شعر به او لم يشعر الناس به، ولذلك ثبت في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ألا أخبركم بخير الناس منزلا رجل أشعث أغبر رأسه مغبرة قدماه ان كان في الساقة كان في الساقة، وان كان في الميمنة كان في الميمنة وان كان في الميسرة كان في الميسرة واذا استأن لم يؤذن له واذا شفع لم يشفع) فهذا في غاية الاخلاص ونكران الذات والتفاني في العمل، وقد امر النبي صلى الله عليه وسلم باتفان كل عمل وليه الانسان، قال (رحم الله امرأ اذا ولي عملا اتقنه، فكل عمل يتولاه الانسان سواء اخذه بأجرة أو بغير اجرة من نصيحته لله ولرسوله وللمؤمنين أن يتقنه) وقال صلوات الله وسلامه عليه : (الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم). وهذه النصيحة هي مظهر من مظاهر الاخلاص واداء الحق الذي على الإنسان لله سبحانه وتعالى طيبة به نفسه، وكذلك من مظاهر اخلاص الانسان ان يحمد على كل أحواله وأن يؤديها ولا يمل منها، فالذي يمل من العبادة او يؤديها بمشقة وعنت، أو اداها لم يستشعر انها نعمة فلم يشكر النعمة لله سبحانه وتعالى على ادائها، ولم يشكر الله على توفيقه لادائها ولا على احسانها ولم يقل الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. وكذلك من مظاهر الاخلاص دفاع الانسان لحظوظه النفسية، فكثير من الناس تدعوه نفسه لعدم الاخلاص في عمله ايا كان ذلك العمل فاذا صام يحب ان يطلع الناس على صيامه ويحب ان يروا اعماله، واذا قام كذلك احب ان يطلعوا على أموره، واذا دعا احب ان يستجيبوا لدعوته وهكذا في كل تصرفاته وهذا امر باطني وهو من حظوظ النفوس التي لا بد من علاجها فالنفس امارة بالسوء، وتغلب الانسان على نوازعه وعلى ما لنفسه من الحظوظ مظهر من مظاهر هذا الاخلاص، وهو معين كذلك على اتمام العمل على أحسن الوجوه، وتذوق طعمه، فمن لا يتذوق طعم العبادة لا يكون من المحبين لها. وللاخلاص كذلك اثر كبير في صلاح الذرية وصلاح الاهل، فمن كان مخلصا لله سبحانه وتعالى جمع له شمله واصلح له ذريته، وفيه اثر كذلك على الانسان في استغنائه عن المخلوقين وابداء فقره لله وحده، وعدم تعلقه بالمخلوق ايا كان، نسأل الله تعالى ان يرزقنا الصدق والاخلاص وان يتقبل منا صالح الاعمال وان يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.