كثيرا ما نواجه في حياتنا أشخاصاً يتميزون بقدرات فائقة في الحفظ والتذكر والتفكير, ونلاحظ أن مثل هؤلاء يحتفظون بمعلومات أو أفكار قد لا تستوقف غيرهم من عامة الناس . وقد نشاهد آخرين نتعجب من مقدرتهم العالية في التحليل واستخدام المنطق الرياضي خلال سائر مواقف حياتهم اليومية. ومثل هؤلاء الناس قد نطلق عليهم فئة الموهوبين أو المتفوقين . وفي العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي تطورت النظريات التربوية والتعليمية وظهرت الحاجة الملحة إلى استخدامها بشكل تطبيقي و واقعي ؛ وذلك تلافيا للفجوة القائمة بين ما نتعلمه وما نوظفه ونستخدمه في حياتنا اليومية , حيث إن التعلم غرض سامٍ لا يستهدف القراءة والكتابة والإطلاع فحسب وإنما هو الطريق المسهل للنجاح في الحياة والتكيف فيها والتأقلم مع محدثاتها , ومن هنا نجد أن التعلم هو المسار الذي يفترض أن يخلق البيئة الخصبة لاكتشاف القدرات والمؤهلات الكامنة لدى الأفراد. ولعل الذكاء سمة ربانية يهبها الله لعباده , وهي سمة خاضعة لمبدأ الفروق الكمية والكيفية بين الأفراد, وقد ظهر في الآونة الأخيرة ما يسمى بنظرية الذكاء الناجح The Theory Of Successful Intelligence وهي نظرية تشير إلى أن الذكاء ما هو إلا نظام إنساني متكامل يشمل على القدرات اللازمة للنجاح في سائر مواقف الحياة , والشخص المتمتع بهذا الذكاء هو شخص قادر على تحديد نقاط الضعف والقوة لديه , كما انه شخص قادر على تحقيق التوازن النفسي والجسدي والعقلي لديه وذلك بينه وبين البيئة الخارجية المحيطة به . ويشير العالم كاتيل Cattell 1988 إلى أن نظرية الذكاء الناجح تشمل ثلاث جوانب هامة ومتداخلة وهي القدرة العقلية العامة , والقدرات العقلية الخاصة , والقدرات الثقافية والاجتماعية . وبغض النظر عن النسب المتفاوتة لدى الأفراد في تلك القدرات إلا أن النبوغ في أحد الثلاثة قد يشكل نوعا فريدا من الذكاء كما هو الحال في الذكاء الرياضي أو الذكاء الوجداني العاطفي . إن الحديث عن القدرات الكامنة في الكينونة الإنسانية هو حديث ذا شجون, غير أن الكثير منا ما زال يتجاهل كيفية استثمار تلك القدرات التي من شانها أن تغير من مسار الفرد وحياته . ومن هنا دعوة لكل المعنيين بعملية التعلم والتعليم سواء في مراحل التعليم العام أو العالي إلى تبنى فكرة استثمار القدرات وتوجيهها , لأن في ذلك تطور المجتمع ورقيه علميا وعالميا .