|يظل ابن البادية مولعاً بحب قريته والحنين اليها والى مدارج صباه وفتوته فيها وتدرجه في جنباتها وبين ناسها.. وخاصة إذا كان ممن أمضى شطر حياته يرعى الغنم ويتنقل بها بين سفوح الجبال وبطون الأودية والشعاب بحثا عن العشب والكلأ والماء مع رفاق له يؤدون نفس المهمة. | تظل هذه الذكريات الجميلة (صدى السنين الحاكي) الذي لا يفارق مخيلته حتى ولو رحل عنها في طلب العلم أو الرزق كما يفعل أكثر ابناء القرى والهجر قديما وحديثا. | ان حب القرية وما غرسته في حياة ابنائها من عادات ومثل وقيم ومبادىء فاضلة ورثها الاباء عن الأجداد تظل اطيافها ماثلة في فكرهم ورؤاهم مهما طال غيابهم او بعدت بهم المسافات عنها، واستوطنوا غيرها من المدن والجهات الأخرى. | وقد تغنى كثير من الشعراء بحب القرية والحنين اليها ووصفوها بالحسناء (شكلاً ومضموناً) ووشحوها بأحلى الحلل وطوقوا عنقها بأحلى القلائد وتوجوها بتاج الجمال الأبدي؟. | ومن ابناء القرية الذين يجري حبها في عروقهم مجرى الدم وتجسد ذلك (شوقا وشعرا) لديهم : الشاعر العميد محمد حسن العمري صاحب ديواني (شروق الشوق) (وينابيع الربيع) الصادرين عام 1412/1415 فلنستمع اليه وهو يناجي قريته عن قرب وقد غادرها وربما عاد إليها وقد علاه الشيب.. يستعيد ذكريات مضت ولكنها مازالت ماثلة في ناظره عبر شريط يتجدد مع مرور الأيام.. يسترجع من خلاله ذكريات غالية وعزيزة الى نفسه وخاصة تلك التي كانت مع أهله وأترابه وعشيرته وأيام الشباب والحقل واشياء آخر. قريتي وقفت بها مسترسلاً في التأمل فأحسست من فرط الجوى بالتعول وقفت بها مثل الغريب مُسلماً عليها فما أنكرت أهلي ومنزلي لقد كاد قلبي ان يذوب صبابةً مع أنه أعجوبة في التحمل وقد عشت في أهلي وبين عشيرتي صبوراً على الأحداث غير مدلل ولكن أشجان الليالي تزاحمت أمامي فجئت اليوم كالمتوسل أناجي بأشواق المحبين قريتي وان ظهرت لي بالرداء المهلهل أناجي حصاها مغرماً بترابها ومستغرقاً في حبها المتأصل | إنها رحلة ماتعة أمضيتها في رحاب قصيدة (قريتي) البالغة أبياتها (28) بيتاً من ديوان الشاعر محمد حسن العمري (ينابيع الربيع) وقد حالت مساحة المكان دون نشرها بالكامل.. وحسبي أنها بليغة في معناها ومدلولها وتؤكد ذلك الحب الواقعي غير المصطنع في حياة واحد من أبناء القرية الخلص لمراتع صباه ومدارج فتوته ومضارب عشيرته (أرضاً وتراباً). وقديما قال الشاعر : بلادي وان جارت عليَّ عزيزة وأهلي وإن ضنوا عليَّ كرام أو كما قال الآخر: وحبب أوطان الرجال اليهمو مآرب قضاها الشباب هنالكا.