موسيقى مسترسلة سرت نحو افقه الواسع عبر درجات شاله الحرير الذي كان يحتبس ألوان قوس قزحه عند مصب المغيب فهكذا هي كانت إطلالته التي أدمنت الركض نحو الحقول المشرقة بإغراء يحلق بالثرى عبر أجنحةٍ تستحضر الريح ليغتسل الماء بوجه الشفق ، وبينما هي كذلك قد تسحب من جوفها من كان رفيقاً لها في مسيرة حياتها من ورود صفراء تحاول جاهدة أن تنام بعشق في صدر أعين الشمس ولا تكتفي كمافعلت توأمها بظلال من ضياء فقط وإنما لتستريح على مدار القرص بكامله .. أهو الحزن ياترى عاد بكل الحياة إلى أطراف أصابعه في زمان تكسرت فيه أرصفة الأزقة الضيقة والطرقات المعهودة حتى بدت معالمها تبدو بارزة للعيان محفورة على أصابع أقدامه التي أعياها اللهاث خلف الدواة ولا قلم إلا من أضلع باتت دامية حيناً واحياناً كثيرة ومتواصلة منكسرة .. أهو الغضب على ذكريات قد ولّت في أدبارها ولا زالت نقط وفائها لديه تنعش ماهو محفور على أوراقها منذ أيام الصبا ونشوة الشباب .. أم أنه الشوق إلى ذلك الشفق الذي يراه دوماً أمام مخيلته يركض بفرح فيه غزارة الألم على تلك الشفاه اليابسة المستكينة .. ربما كذلك وربما سرمدة الحلم المفرط الذي ينتابه بين حين وآخر فليس مهماً أن تضع خطوطاً تسير عليها في هذه الرحلة المنهكة طالما تشعر بالإرتياح نحو ما تفعل من ركض غازي فإستمرارية الظواهر السارة الجميلة عادة تتشبع بها النفس البشرية ولا تريد أن تغادرها وهذا هو المأمول منها بشكل فطري . فهذه النفس الطبيعية تستمد رجاءها من صوت السحر حتى وإن كان ملمسه من حجر فالسكون دوماً يمدك بالهمس ويحمل لك فرحة الأسماك الوليدة وهي تحنو إلى موج الجهات الأربعة وتلك هي الحقيقة ، أما أولئك الذين يطرقون الباب وصبرهم قد نفذ من خلال الثقب فضحكتهم عابرة وألوانهم داكنة تبعث الخوف في قاع ذلك الوجه الهادئ خاصة إذا رأى بنفسجية الضياء الشاحب .. ومهما يكن من أمر فالحقائب يجب أن لا تحزم نحو طريق اليأس والقصائد يجب أن لاتهزم تحت أروقة الأوراق الملونة فالحياة جميلة بمافيها وبعض من فيها فالموجة النائمة في البحر قد تموت وسط الزحام وقد تحيا وتدهش الظلام وتمزق أشرعة الرياح على مفاصل الضجر والآلام فلا غرو إذاً من ندى الأحلام الذي يعلو بك نحو زخّات المطر تلك الزخات التي تعطي الحياة لحفيف الأزهار ودوَّار الشمس وعبق الياسمين . ومضة : - من شعر فاروق جويده : ومضيتُ أبحثُ عن عيونكِ .. خلفَ قُضبان الحياة وتعربد الأحزان في صدري ضياعاً لستُ أعرفُ منتهاه وتذوب في ليلِ العواصف مُهجتي ويظل ماعندي سجيناً في الشفاه