(الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا)، وصلى الله وسلم وبارك على محمد القائل : (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). فإن في تعاقب الليل والنهار، وكر السنين والشهور والأيام، وتقارب الزمان، والابتلاء بالنعم والمصائب العظام، لعبرة لأولى الألباب، وذكرى لأصحاب العقول الكبار، وفي التغافل عن ذلك حسرة وندامة، وشقاوة، وغباوة، فإني أود ان اذكر نفسي اولاً واخواني المسلمين بما ينبغي علينا ان نستقبل به العام الهجري الجديد، والذي سيطل علينا بعد يومين من الآن، لأن الذكرى تنفع المؤمنين، وتنبه الغافلين، وتعين الذاكرين. لذا ينبغي على المسلمين جميعاً أن يحاسبوا أنفسهم بأنفسهم حساباً شديداً صارماً قبل أن يحاسبوا، وعلهم ان يزنوا أعمالهم قبل أن توزن عليهم، وليتزينوا ليوم العرض الأكبر، على ما صدر منهم في العام المنصرم والأعوام السابقة، فإن وجد المرء خيراً فليحمد الله، وان وجد غير ذلك فليعجل بالتوبة والانابة قبل فوات الأوان واجتماع الحسرتين: حسرة الموت، وحسرة الفوت. وتجديد التوبة الصادقة النصوح من جميع الذنوب والآثام، وعدم التواني في ذلك او التسويف فيها. كما ان على المسلمين افراداً وجماعات، شباباً ورجالاً التحرر من الولاء لغير الله، فلا يدعوا غير الله عز وجل، ولا يستغيثوا بغير الله، ولا يصرفوا شيئاً من العبادة لغير الله، فإن فعلوا شيئاً من ذلك فقد اشركوا مع الله غيره، وعليهم ان يجددوا ايمانهم. وكذلك علينا الاشتغال والاهتمام بالعلم الشرعي، فالعلم قائد والعمل تبع له، ومشكلة الاسلام الحقيقية تكمن بين جهل ابنائه وكيد أعدائه، فنشر العلم الشرعي من أجل القربات بعد اداء الفرائض، اذ لا يدانيه شيء من العبادات. والعمل على اشاعة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي هي صمام الأمان لهذه الأمة من الانحراف والزيغ، فالنصيحة لله، ولرسوله، ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم قدر الطاقة واجبة: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك مثقال حبة من خردل من ايمان)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم وينبغي للمسلمين جميعاً ان يعلموا ان اليأس والقنوط من رحمة الله من الكبائر العظيمة، وعليهم أن يقاوموا ذلك في نفوسهم، وان يعملوا على اجتثاث ذلك من نفوس غيرهم، خاصة الشباب، فالاستسلام لليأس، والقنوط، والرضا بالواقع من أقوى عوامل الهزيمة، ومن أخطر أسباب الضعف المهينة وان العزة لله، ولرسوله، وللمؤمنين، وعلينا كذلك ان نوقن يقيناً صادقاً جازماً ان الله قد أعزنا بالاسلام وان من طلب العزة في غيره أذله الله. اننا سنودع عاماً ماضياً شهيداً، ونستقبل عاماً مقبلاً جديداً، فليت شعري ماذا أودعنا في العام الماضي وماذا نستقبل به العام الجديد؟ فليحاسب العاقل نفسه ولينظر في أمره فإن كان قد فرط في شيء من الواجبات فليتب الى الله وليتدارك ما فات وان كان ظالماً لنفسه بفعل المعاصي والمحرمات فليقلع عنها قبل حلول الأجل والفوات وان كان ممن منَّ الله عليه بالاستقامة فليحمد الله على ذلك وليسأله الثبات عليها الى الممات اخواني: ليس الايمان بالتمني، ولا بالتحلي وليست التوبة مجرد قول باللسان من غير تخلٍّ إنما الايمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال وانما التوبة ندم على ما مضى من العيوب واقلاع عما كان عليه من الذنوب وانابة الى الله بإصلاح العمل ومراقبة علام الغيوب وكل عام والأمة العربية والاسلامية وبلادنا ملكاً وحكومة وشعبا بألف خير والله من وراء القصد.