نواصل حديثنا اليوم عن هذا الركن العظيم، ونحن نلتقي بهؤلاء الاخوة من مشارق الأرض ومغاربها، ونفرح بهم ونهنئهم على قدومهم الى هذه البقاع الطاهرة، ونتحدث معهم عن الحج وآدابه، وان هذا الركن يلقي الضوء على مناسك الحج، ويرينا جوانب مهمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لانه القائد والمعلم والقدوة لنا، فقد تعلمنا مما نقله الصحابة الكرام كل ما نحن بحاجة اليه عن احكام هذا الحج وواجباته وسننه، ولهذا وجب التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يمثل الاتباع الصادق للقرآن الكريم، ويجسد العمل بآياته الكريمة، فقد كان خُلُقه القرآن، وكان الصورة العملية لتعاليم القرآن، والترجمة الدقيقة الأمينة لآياته، ولهذا فقد دعانا صلى الله عليه وسلم لأخذ القدوة عنه في أقواله وافعاله وعباداته حين علمنا فقال (صلوا كما رأيتموني اصلي) وقال في الحج (خذوا عني مناسككم). ولقد حرصت في هذه الحلقات على تبسيط هذه الجوانب المشرقة من سيرته صلى الله عليه وسلم في الحج امتثالاً لأمره (نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم اداها الى من لم يسمعها، فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه). وسوف أحاول في هذه الحلقات ان أتتبع حجته صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه المناسك، ونتلمس الأفعال والاقوال ونعيش تلك الذكرى العطرة المتجددة كل عام، ونحس بأننا في هذا النسك الكبير نسير على خطاه ونهتدي بهديه. ولاشك ان أهم ما يجب الاهتمام به هو عملية التجرد لله تعالى واخلاص النية والصدق مع الله عز وجل وما يجب على الحاج من طيب المأكل والمشرب والملبس والمركب، والابتعاد عن كل ما حرم الله عز وجل، وترويض النفس على الصبر والطاعة والامتثال، وتطهيرها من كل الآثام، ومن كل حقد وظلم وكل سلوك منحرف، والاقلاع عن المعصية بأنواعها الصغيرة والكبيرة، وعلى الحاج ان يجعل نفقته في أمور الحج على قدر ما يستطيع، حتى يكون حجه مبرورا مقبولا، ومن المناسب الاقبال على حلقات العلم في الحرمين وفيهما من العلماء من يبين قضايا الحج وأحكامه وييسرها، ويعلم الناس على هدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . فلننظر اذن كيف حج صلوات الله وسلامه عليه: يقول الامام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ان فرض الحج تأخر الى سنة تسع او عشر، ولا خلاف في أن حجة الوداع كانت في السنة العاشرة للهجرة، وهي الحجة الوحيدة التي حجها صلوات الله وسلامه عليه في حياته الشريفة الطاهرة الراشدة، نعم هناك حديث شريف منسوب الى النبي صلوات الله وسلامه عليه أخرجه الترمذي وابن ماجه والدارقطني، ولكن رغم ان رجاله ثقات فقد عده الترمذي غريباً، وسئل عنه الامام البخاري فقال : انه لم يعرفه من حديث الثوري. ومفهوم هذا الحديث ان سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم حج حجتين (غير حجة الوداع) قبل الهجرة اي قبل ان يفرض الحج، وسواء صح هذا الحديث أم لم يصح فإن العبرة بحجة الوداع وحدها دون غيرها.