نبدأ عامنا الدراسي الجديد بعد مناسبتين غاليتين على قلوبنا وثقيلتين على ميزانياتنا لأنهما استحوذتا على كل ما في جيوبنا ، فموائد رمضان العامرة واحتفالات العيد بكل ما تتطلبه من حلويات وعيديات وملابس وتغيير للأثاث .. قد التهمت كل ميزانية الأسرة .. وربما لجأ البعض للاستدانة لسد احتياجات أخرى للظهور بالمظهر الاجتماعي اللائق أمام الأهل والأصدقاء خلال فترة العيد طبعاً هذا حال ميزانية الطبقة المتوسطة من المجتمع ولا أقول الطبقة الفقيرة فهؤلاء لهم شأن آخر أعانهم الله . ولكن كيف نواجه متطلبات هذا العام الدراسي الجديد في ظل ضائقة مالية لميزانية الأسرة؟ خاصة لآباء طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية الذين سيعودون للدراسة في 21/10/1430 أي قبل موعد استلام الراتب الشهري. والحقيقة أن هذا الوضع سيستمر على هذا الحال ولمدة خمس سنوات أخرى قادمة إن شاء الله تعالى حسب التقويم الدراسي العشري الذي أعلنته وزارة التربية والتعليم في بعض صحفنا المحلية ومنها صحيفة عكاظ بتاريخ 18 جمادى الآخرة 1428ه ص6 . حيث راعت الخطط العشرية فيه الظروف المناخية والإدارية إلى حد كبير . وللأسف فنحن كمجتمع نفتقد إلى حد كبير وضع خطط اقتصادية لميزانية الأسرة تؤطر للإنفاق الدقيق للمتطلبات الأساسية والتي تتناسب مع دخل الأسرة ، وأن كثيراً منا ينفق على مبدأ: (أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) . مما يعني هدراً وإسرافاً في غير محله وشراء كماليات لا داعي لها في حين أن هناك نقصاً في أساسيات أخرى وضروريات لا غنى عنها . وفي الحقيقة قد يعود السبب في هذا الإنفاق غير المتوازن هو أننا مجتمع عايش طفرات اقتصادية متنوعة مما أكسبنا سلوكيات استهلاكية تقوم على الهدر والتبذير والإسراف وعدم وضع أولويات في الإنفاق المتوازن . ولم نطور سلوكيات في ترشيد الاستهلاك أو في التوفير أو وضع ميزانية دقيقة للمشتروات وضبط النفس عن مغريات العرض . وقد استوعب أصحاب المحلات التجارية والتجار عموماً النظام النفسي للفرد السعودي وإنه استهلاكي من الدرجة الأولى وليس أدل على ذلك من انتشار الأسواق والمولات حتى أصبحت في بعض المدن على طول الشوارع وامتداد الطرقات ، وهم ينتهزون فرص إقبال الناس على الشراء في المواسم ويقومون بإجراءات متنوعة لفتح شهية المتسوقين للشراء سواء كان ذلك من إجراءات التخفيضات التي تصل إلى 70% أو العروض الخاصة: (3 بسعر واحد) أو من خلال المسابقات الوهمية والسحب مما يوهم البسطاء بوجود فرص ذهبية للكسب .. في حين أنها في الحقيقة ليست سوى فخ للوقوع في براثن الشراء غير المتوازن فنشتري ثلاثة أو أربعة أثواب في حين أننا قد لا نحتاج سوى واحد . وبحل مسابقات حتى ولو لم يحالفنا الحظ ولا مرة واحدة في الحياة .. المهم أن نشتري . وهناك أمثلة أخرى كثيرة متنوعة على أننا شعب نقتني أشياء لا داعي لها ولكنها تستحوذ على الكثير من دخلنا الشهري وتهز اقتصادنا منها مثلاً ما يقوم به أبناؤنا الطلبة والطالبات من الشراء للملصقات والأدوات المكتبية والقرطاسية التي ليس لها أي داعٍ أو حاجة حقيقية . فمن خلال متابعتي لكراسات الطالبات كمشرفة تربوية ألاحظ أنها تكتظ بالصور والملصقات ومع أنه يتم التنبيه بعدم وضعها لوجود تعاميم تمنع وضع الملصقات خاصة من ذوات الأرواح إلا أن هناك إصراراً على وضعها من قبل الطالبات لاعتقادهن بأن ذلك مظهر من مظاهر التميز للطالبة وحب الظهور بمظهر خاص أمام المعلمة والزميلات وأيضاً بسبب حب بعض الشخصيات الكرتونية أو الحقيقية ووضع صورها .. وحتماً فإن مصير هذه الملصقات مع رفيقاتها من الكراسات التي لم يستهلك منها سوى 20% أو 30% على أكثر تقدير والباقي يلقى في الحاويات التي أصبحت تئن لكثرة ما يلقى فيها مما في الدول الأخرى يعاد تدويره وتصنيعه من جديد . علماً بأن هذه المسرحية تتكرر أيضاً في كل فصل دراسي جديد . ولنا أن نتخيل حجم الأطنان التي نقذفها بعد نهاية الاختبارات ناهيك عن الكتب الدراسية التي تكلف الدولة ملايين الملايين ويقذف بها في الحاويات علماً بأن بعض الدول الأخرى كالعراق وفلسطين يُعمل على تنظيفها وتقديمها للطلاب المستجدين . ولكن من المسؤول عن هذه الخسارة التي تعرض اقتصادنا للاهتزاز من جراء الشراء غير المتوازن والإنفاق الخاطئ والإسراف ، وكيف نعالج هذا الهدر المالي؟ هناك حقيقة يجب أن لا نغفلها وهي أنه مع وجود الضائقة المالية العالمية التي هزت كيانات تجارية عالمية وبنوكاً وسرحت الآلاف من عمالهم وقذفت بهم في الشوارع فإننا بحمد الله تعالى ثم بفضل سياسة حكومتنا الرشيدة (الاقتصادية) التي دفعت عنا غائلة الوقوع في الإفلاس والتشرد التي طالت الكثير من شعوب العالم . ولكننا وحتماً نحن جزء من القرية الكونية لا بد أن نضع خططاً اقتصادية لمواجهة موجة الغلاء العالمية وأن نطور سلوكاً اقتصادياً يصبح جزءاً من ثقافة المجتمع يقوم على التوازن في الإنفاق وضبط النفس عن الشراء وتحديد الاحتياجات الأساسية ووضع الأولويات. والكثير من هذا يقع على عاتق المدرسة في توعية الطلاب والطالبات من خلال مناهج التربية الوطنية أو التربية الأسرية والدينية وفي كيفية المحافظة على اقتصاد الأسرة والمجتمع وعدم التبذير فلا نكون من إخوان الشياطين . كما أنه يقع على عاتق المعلم وضع معايير أساسية لتقويم الطالب على الدفتر والكتاب تقوم على التنظيم والدقة في تدين المعلومات والنظافة وحسن الخط وخلوه من الأخطاء الإملائية والنحوية .. وليس على ما يوضع فيهما من ملصقات وزخارف لا قيمة لها ولا تحقق أي هدف تربوي . ثم لماذا لا يعاد استخدام الكتب مرة أخرى ؟ حتى نخفض من الهدر المالي الذي تعاني منه وزارة التربية والتعليم والذي بلغ أكثر من 20مليار ريال حسب ما أوردته ( مجلة اليمامة العدد 2072 ، السبت 8 رمضان 1430ه في التحقيق الذي أعده الصحفي توفيق نصر الله وآخرون مع عدد من مسئولي الوزارة . وأخيراً لا نغفل دور الأسرة في توعية الأبناء وإطلاعهم على دخل الأسرة ووضع ميزانية تقديرية للصرف لكل جانب من جوانب الإنفاق وكذلك وضع قائمة بالاحتياجات الأساسية عند الذهاب للمتجر وعدم الرضوخ لمغريات العرض . وكذلك على أولياء الأمور عدم الضعف أمام رغبات الأطفال ودموعهم الذين يصرون أحياناً على شراء ما لا حاجة لهم به مثل شراء جوال بمبلغ 1500 ريال لأن ابن عمه يملك جوالاً . بل حتى نوع الحقائب لابد أن يتفق مع دخل الأسرة فليس من الضروري شراء حقائب من ذوات الماركات العالمية التي تهز ميزانية الأسرة لأن صديقة ابنتي لديها مثل هذه الماركة . وبالمناسبة فإن كثيراً من الآباء ولا أقول الأمهات يضعفون أمام رغبات الأبناء حتى ولو أدى ذلك بهم للاستدانة ووقوعهم في براثن سداد الدين . وحتماً أن هذا يعود الطفل على كل ما أطلبه لابد أن ينفذ .. هذه بعض من الخطوات الإجرائية لمواجهة ميزانية العام الدراسي الجديد تقوم على التوازن في الإنفاق وكما قال تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) ، وكل عام دراسي وميزانيتنا بخير .