أراد الله لهذه البلاد أن تكون على موعد تاريخي حين أعلن جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه توحيد أجزاء المملكة العربية السعودية بعد شتات، وضم صفوفها بعد فرقة في لحظة تاريخية فارقة كانت ايذاناً بقيام دولة فتية تزهو بتطبيق شرع الدين القويم وتصدح بتعاليمه السمحة وقيمه الانسانية النبيلة في كافة أصقاع الدنيا، وتشرق شمس يوم العزة والشموخ بأشعتها الذهبية لتنير أرجاء الوطن. ويصادف يوم الأربعاء الرابع من شوال من العام 1430هجرية قمرية، الأول من الميزان من العام 1388هجرية شمسية الموافق للثالث والعشرين من سبتمبر 2009م الذكرى التاسعة والسبعين لليوم الوطني المجيد. واليوم الوطني بهذا المعنى السامي هو ذكرى لهذه الوحدة الوطنية العظيمة التي تجسدت في معركة البناء وهي معركة امتزج فيها عرق ودماء القائد مع عرق ودماء شعبه في تضحيات بطولية نادرة ربطت هذا الكيان الكبير من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه، لتشكل تلك الوحدة الوطنية الفتية ومنذ ذلك التاريخ سياجاً عظيماً لحماية الوطن من كيد الاعداء لتكون المملكة العربية السعودية شامخة معتزة بدينها وبوحدة ابناء شعبها. وهي وحدة تجسدت بعد ملحمة بطولية رائعة قادها القائد المؤسس على مدى اثنين وثلاثين عاماً. ونظم الملك عبدالعزيز الدولة الحديثة على أساس من التحديث والتطوير المعاصر فوزع المسؤوليات في الدولة وانشأ عدداً من الوزارات، وأقامت الدولة الوليدة علاقات دبلوماسية وفق التمثيل السياسي المتعارف عليه، كما أولى الملك عبدالعزيز اهتماماً خاصاً للقضية الفلسطينية وهو ما جعل القضية الفلسطينية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن في أولويات الاهتمامات في السياسة السعودية الخارجية ولقد عمد الملك عبدالعزيز منذ الوهلة الاولى إلى تقوية بناء الدولة من خلال تمتين نسيج الوحدة الوطنية وبنقله في حياة الشعب بالعمل على تحسين وضع المملكة الاجتماعي والاقتصادي حيث اولى اهتماماً خاصاً بفتح المدارس والمعاهد وارسل البعثات الى الخارج وشجع على طباعة الكتب خاصة الكتب العربية والاسلامية واهتم بمحاربة البدع والخرافات وانشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزودها بالامكانيات والصلاحيات، وامر بتوسعة الحرم النبوي الشريف ووفر الماء والخدمات الطبية والوقائية لحجاج بيت الله الحرام وقد وظف القائد المؤسس الاكتشاف النفطي الذي استخرج بكميات تجارية من اجل نهضة الوطن ورقيه وتقدمه وازدهاره فبدأت العملة الوطنية السعودية تأخذ مكانها الطبيعي بين عملات الدول الاخرى مما ادى الى انشاء مؤسسة النقد العربي السعودي، وعادت ثمار النفط لتترجم في نهضة مذهلة تمثلت في الطرق البرية المعبدة والخط الحديدي الذي يربط بين الرياض والدمام وربط البلاد بشبكة من المواصلات السلكية واللاسلكية ووضع نواة الطيران المدني بانشاء الخطوط الجوية العربية السعودية ومد خط انابيب النفط من الخليج الى موانىء البحر الابيض المتوسط واهتم القائد المؤسس بمحاربة المرض وتوفير الخدمات الصحية فانشئت المستشفيات والمراكز الصحية في مختلف مناطق المملكة، ووضع نظام الجوازات السعودية وغيرها من المرافق العامة ذات الصلة. ولما كان الله جل شأنه قد شرف هذه البلاد الطاهرة بوجود الحرمين الشريفين فيها وأنها قبلة الزوار والمعتمرين والحجاج وقاصدي بيت الله الحرام فقد عمل القائد المؤسس على توفير افضل ما يمكن ان يقدم من خدمات لضيوف الرحمن والأماكن المقدسة إذ بادر رحمه الله بوضع نظام للحجاج وأشرف بنفسه على تنفيذه من اجل ضمان اكبر قدر من الراحة والطمأنينة والمحافظة على أرواحهم وأموالهم واتخذ رحمه الله من التدابير ما يمنع استغلالهم وعمل على تنفيذ كل ما يمكن ان يساعد على توفير سبل الراحة لهم وامتد اهتمام القائد المؤسس ليجعل من الوطن الموحد وطناً على رواسخ قوية من المعرفة والعلم ومحاربة الجهل وقد تكاملت كل تلك الجهود لتجعل من الدولة الموحدة دولة قوية البناء مكينة الاسس. وبعد معركة البناء الداخلي اتجه القائد المؤسس الى العالم الخارجي حيث سعى الى توثيق العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، فكانت سياسة المملكة الخارجية مبنية على وضوح الهدف والثبات على المبدأ ومناصرة الحق انطلاقاً من تعاليم الدين الاسلامي الحنيف الذي تأسست على قواعده هذه البلاد الطاهرة. فقد عمل القائد المؤسس من منطلق حرصه على تقوية وتعزيز الروابط مع الاشقاء بمد جسور التعاون والسعي الى توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم ولم شملهم وحل خلافاتهم بالتشاور فيما بينهم والاتفاق على الأهداف الاساسية التي تضمن لهم صيانة حقوقهم ومكتسباتهم. ونحن نستعرض مسيرة الانجازات في هذه الذكرى الغالية لا يغيب عن البال ان من اهم الانجازات التي حققها القائد المؤسس هو بسط الأمن الشامل ويمكن معرفة هذا الواقع الفريد من استعراض ما كانت عليه هذه البلاد قبل التوحيد فقد كانت الحالة الأمنية في كل شبه الجزيرة العربية في أوضاع يرثى لها من التسيب والانفلات وكانت طرق الحج على وجه الخصوص تعج باللصوص وقطاع الطرق الذين كانوا يترصدون قوافل الحجيج لسلبها والاعتداء عليها، إذ كان الحج في تلك الايام مغامرة قد يضطر الحاج فيها الى أن يفقد كل ما لديه بل حياته نفسها في خطر. وقد وفق الله الملك عبدالعزيز الى ارساء الأمن الشامل باعلان تطبيق شريعة الله، شريعة الأمن والأمان للمجتمع الاسلامي وبهذا التطبيق تم القضاء على عصابات اللصوص وقطاع الطرق واجتثاث شرورهم من جذورها. وكان مما قاله القائد المؤسس في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشورى عام 1349ه (انكم تعلمون ان اساس احكامنا ونظمنا هو الشرع الاسلامي، وأنتم في هذه الدائرة أحرار في سن كل نظام واقرار العمل الذي ترونه موافقاً لصالح البلاد على شرط ألا يكون مخالفاً للشريعة الاسلامية لأن العمل الذي يخالف الشرع لن يكون مفيداً لأحد.. والضرر كل الضرر هو السير على غير الاساس الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم). وهكذا كان الشرع المطهر اساس الأمن في هذه البلاد الطاهرة حيث اصبح الأمن مضرباً للمثل من واقع ما افرزه من حياة آمنة. وانطلاقاً من المكانة الاسلامية التي تتمتع بها دولة التوحيد فقد كان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه اول حاكم مسلم يدعو الى التضامن بين المسلمين ويضعه موضع التطبيق، حيث كان اول مؤتمر اسلامي دعا اليه الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عام 1345ه وحضرته وفود من الدول الاسلامية وكان هذا المؤتمر اول مناسبة جمعت ممثلي المسلمين في بعض الأقطار الاسلامية. لقد كانت وحدة المسلمين هي العمل الدؤوب الذي سعى لتحقيقه الملك عبدالعزيز وقد قال في ذلك (ان احب الأمور الينا ان يجمع الله كلمة المسلمين، فيؤلف بين قلوبهم ثم بعد ذلك ان يجمع كلمة العرب فيوحد غاياتهم ومقاصدهم ليسيروا في طريق واحد يوردهم موارد الخير). بهذه المنجزات العظيمة ارسى القائد المؤسس قواعد دولته الفتية على ارض الجزيرة العربية مستمداً دستورها ومنهاجها من كتاب الله الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فبدل خوفها أمنا وجهلها علماً وفقرها رخاء وازدهاراً. وعلى نفس هذا النهج المبارك سار ابناؤه البررة من بعده الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد الى العهد الحالي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ال سعود نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، حفظهم الله حيث وضع الملك عبدالله بصمات واضحة لازالت مستمرة على خطى القائد المؤسس تمتيناً لعرى الوحدة الوطنية وترسيخاً للمسيرة الاقتصادية من خلال مشروعات عملاقة وتثبيتاً للأمن وتعزيزاً له في واقع الحياة وعوناً وسنداً للأشقاء بمعالجة قضاياهم وخاصة القضية الفلسطينية وحل خلافاتهم. فعلى الصعيد الداخلي انطلقت مشروعات التنمية لتجعل من هذه البلاد الطاهرة في موقع ريادي متقدم بين دول العالم، هذا الانتعاش الاقتصادي صحبه اهتمام من المليك المفدى بتحسين المستوى المعيشي للمواطنين من خلال عدة اجراءات مشهودة. وتواصلت مسيرة التعليم لتشهد البلاد في الفترة الماضية الكثير من المنشآت التعليمية والعديد من الجامعات في مختلف المناطق اضافة الى التوسع الكبير في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي وعلى صعيد توحيد العالم الاسلامي سار الملك المفدى على نفس نهج القائد المؤسس حيث قامت المملكة بدورها الرائد في السعي لتوحيد العالم الاسلامي وجمع كلمته وهو دور تقوم به المملكة من منطلق واجباتها التي شرفها بها الله سبحانه وتعالى لتكون رائدة العالم الاسلامي. وعلى الصعيد الأمني فقد استطاعت المملكة وبتوجبه من خادم الحرمين الشريفين ان تواجه أعتى التحديات المتمثلة في ظهور الارهاب وأعماله الاجرامية حيث استطاعت المملكة مواجهة هذه الظاهرة بقوة وحزم حتى انحسر تماماً ولازالت المعركة مستمرة حتى تجفيف منابعه ومصادر تمويله. وعلى صعيد خدمة ضيوف الرحمن فقد تحققت منجزات هائلة لما تمثله خدمة ضيوف الرحمن من اولوية قصوى حيث شهدت المشاعر المقدسة مشاريع ضخمة في جسر الجمرات وخدمات صحية وخدمات متطورة في المجتمعات ولازال هناك الكثير القادم. كما ان هناك توسعة في الناحية الشمالية للحرم يجرى العمل فيها.. اضافة الى مشاريع ومنجزات اخرى جعلت من الحج رحلة ممتعة خالية من كل مشاق ولازالت خطى التحديث والتطوير مستمرة على النهج الذي ارساه القائد المؤسس ولازالت المملكة في كل يوم تحقق سبقاً في التنافس العالمي واصبحت مسيرتها أنموذجاً يحتذى وتسترشد به دول العالم.. والمسيرة ماضية بنفس القوة والعزم.. ومن الله التوفيق.