في هذه الليالي المباركات من شهر رمضان العظيم، وفي هذا الجو الروحاني الحافل بالسكينة يجد المؤمن نفسه مشدودة إلى بارئها عز وجل ..تُناجيه آناء الليل وأطراف النهار ..تدعو وتلح في الدعاء رجاء تحقيق ما تطمح إليه من عفو ومغفرة وعتق من النار. - جاء في «الجواب الكافي» لابن قيم الجوزية رضي الله عنه: الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدفعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه ، أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن ، كما روى الحاكم في مستدركه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين ونور السموات والأرض..»..وعلى المؤمن أن يلح في الدعاء ، ويسأل الله الاجابة ولا يتعب ويسأم ، ومن حديث أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل ، قالوا: يارسول الله ، كيف يستعجل ؟ قال: يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي). | والإلحاح على الله عز وجل بتكرير وذكر ربوبيته من أعظم ما يطلب به اجابة الدعاء، وعن عائشة أم المؤمنين مرفوعاً: « إذا قال العبد : يارب ، أربعاً قال الله: لبيك عبدي سل تعطه». - والعمل الصالح يبلغ الدعاء. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح ، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: يكفي مع البر من الدعاء مثل ما يكفي الطعام من الملح. وقال الليث: رأى موسى عليه السلام رجلاً رافعاً يديه وهو يسأل الله مجتهداً، فقال موسى عليه السلام: أي رب عبدك دعاك حتى رحمته وأنت أرحم الراحمين فما صنعت في حاجته ؟ فقال: ياموسى لو رفع يديه حتى ينقطع ما نظرت في حاجته حتى ينظر في حقي. | ما أطيب القرب من الله تبارك وتعالى، ومناجاته سراً وعلانية، وما أجمل الدعاء الصادر من نفس تخشع لذكر الله. - يقول أحد العارفين: كان لنا في حينا القديم جار عجوز، لا يفصلنا عنه إلا جدار رقيق؛ فكنت اسمعه ينهض في الفجر ، فيرفع صوته بالدعاء، ويأخذ يتحنن ويرجو ويتوسل حتى كان يخيَّل إليَّ ، من حرارة الرجاء ، أن أحجار الحائط تتحرك بيني وبينه ، وينفذ إليَّ صوته الضعيف جلياً رائع الحنان ، منكسر النبرات ، وكان ربما خنقته العبرة فسكت قليلاً، وأنا أتتبعه.. - ويقول الراوي: كنت أقول لنفسي : «ما الذي يُغري هذا الشيخ بالبكاء! حتى كبرت وطحنتني الأيام ، وتكشفت لي حقائق الدنيا الفانية ..ما الذي يرفع حياة الإنسان من درك الحيرة والضياع والعبث غير أن يشد نفسه إلى مصدر الحياة، ويسلِّم نفسه إليه، ويشعل في روحه القلق فتيل الإيمان ويستجيب لصوت الفطرة الصارخ في أعماقه، المحكوم بشواغل الحياة وحاجاتها التي لا تنقضي» ما أكرم وأطيب اللجوء إلى الله تعالى. ومضة | ومن حديث أنس: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يامقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ، فقلنا: يارسول الله ، آمنا بك وبما جئت به فهل يخاف علينا؟ قال: نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء».