ثمّن أكاديمي عراقي الدور الكبير الذي يقوم به مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينةالمنورة لخدمة كتاب الله ، ونشره ، وتوزيعه ، وعقد الندوات العلمية المتخصصة في مجالات القرآن وعلومه. وأكد الدكتور غانم قدوري الحمد الأستاذ بجامعة تكريت بالعراق أن عقد ندوة “ القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة “ المباركة يعكس الاهتمام الكبير الذي يوليه القائمون على المجمع للإفادة من التقدم العلمي الكبير في مجال تقنية المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة ، مشيراً إلى للمجمع في ذلك أعمال جليلة سابقة ، منها مصحف المدينة للنشر الحاسوبي الذي يَسَّرَ للباحثين نقل الآيات الكريمة بالرسم العثماني والضبط الكامل من غير خشية من وقوع التصحيف أو التحريف في النص القرآني. وبين أن عقد الندوة التي سينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينةالمنورة خلال الفترة من 24 إلى 26 /10/1430ه يأتي لاستشراف الآفاق الجديدة التي يمكن أن تقدمها تقنية المعلومات في مجال عرض النص القرآني ، وتعليم قراءته ، وتيسير فهم معانيه ، وتسليط الضوء على ما يُعْرَضُ في الشبكة الدولية للمعلومات ( الإنترنت ) من دراسات متعددة الاتجاهات تتصل بالقرآن الكريم ، وكيفية التعامل معها. ونوه الدكتور غانم قدوري الحمد بما توليه الندوة من عناية خاصة بالأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن الكريم المترتبة على استخدام التقنيات المعاصرة ، مؤكداً أنه أمر مهم لتحديد ما يمكن اعتماده من تلك التقنيات ، وما يلزم استبعاده منها ، حتى يكون المشتغلون في هذا المجال على معرفة بالمساحة التي يمكن أن يتحركوا فيها ، والوسائل التي يمكن اعتمادها. وقال الدكتور قدوري : إنه تقدم ببحث لندوة “القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة” بعنوان ( استخدام صورة آلة النطق ومخارج الحروف في تعليم قواعد التلاوة تأصيل وتحليل ) ، ويتناول البحث قضيتين ، الأولى تدور حول الحكم الشرعي في التصوير ، وفي استخدام صورة آلة النطق في تعليم قواعد التلاوة ، وانتهى البحث إلى أن استخدام صورة آلة النطق في هذا المجال ليس من التصوير الذي ورد النهي عنه ، لأن القصد من هذا النوع من الصور التعليم لا التعظيم ، كما أن جميع الصور المستخدمة لهذا الغرض لا تُشَكِّلُ صورة كاملة ، فهي جزء من الرأس والعنق. أما القضية الثانية من بحثه ، فتدور حول استخدام صورة آلة النطق في تعليم قواعد التلاوة ، وانتهى البحث في هذا المجال إلى عدد من النتائج ، منها سَبْقُ علماء العربية والتجويد إلى استخدام صورة آلة النطق ومخارج الحروف في مجال دراسة المخارج والصفات ، وتعليم قواعد التلاوة ، منذ عدة قرون ، وقد أكْثَرَ المؤلفون في علم التجويد في العصر الحديث من استخدام تلك الصور ، حتى إنهم خصصوا صورة لمخرج كل حرف ، وقد تأثروا فيها بما ورد في كتب علم الأصوات اللغوية. وأضاف الأكاديمي العراقي أن من تلك النتائج أن أتاح التقدم العلمي في العقود الأخيرة الإفادة من برامج الحاسوب في إنتاج صور متحركة لآلة النطق ، وهو مجال رَحْبٌ ينبغي الإفادة منه في تعليم قواعد التلاوة ، كذلك لا تخلو الصور المستخدمة في تعليم قواعد التلاوة من مآخذ من حيث الدقة العلمية ، ومن ثم ينبغي مراجعتها من ذوي الاختصاصات العلمية التي لها علاقة بالموضوع ، لتلافي تلك المآخذ ، ولإنتاج صور أكثر دقة. وعدّ الدكتور قدوري توجه مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف نحو عقد الندوات العلمية المتخصصة التي تخدم القرآن الكريم وعلومه ، والحديث الشريف وعلومه، من الأعمال الرائدة ، لأن المجمع بإمكاناته ومكانته يستقطب خيرة العقول في الاختصاصات العلمية التي تعنى بها تلك الندوات ، قائلاً : إنه لم يجد من يتحفظ على استخدام الرسوم التوضيحية في تعليم التلاوة الصحيحة ، وذلك من خلال متابعتي لما يتعلق ببحثي الذي قدمته للندوة. وأضاف الباحث أن التقنيات الحديثة المستخدمة في البحث العلمي تختصر الجهد والمال والوقت أمام الباحثين ، ولكن تلك التقنيات لا تخلو من بعض السلبيات ، منها لا تقدم تلك التقنيات جميع ما يحتاجه الباحث وطالب العلم ، وهناك حاجة للرجوع إلى المصادر الورقية ، وقد لا تتسم بالدقة جميع الموسوعات الإلكترونية المتاحة الآن ، وقد لا تتاح تلك الوسائل للباحث في جميع الأوقات ، ولا يزال عدد من الباحثين لا يحسن التعامل مع هذه الوسائل كلياً أو جزئياً ، ولا سيما من تقدم به العمر منهم ، ونشأ على وسائل البحث المعتمدة على الورق. وأشار الدكتور غانم قدوري إلى أنه يخطر ببال ببعض الباحثين والدارسين أنه يستطيع أن يعمل بعيداً عن هذه الوسائل الحديثة ، ولكنه سيجد نفسه مضطراً للتعامل معها في يوم ما، وسوف يلمس مدى ما تقدمه هذه الوسائل من إمكانات علمية ووسائل اتصال سريعة ، وقد تسهم مثل هذه الندوة المباركة في ترسيخ القناعة بأهمية هذه الوسائل ، كما أن التقدم المستمر في إنتاج تلك الوسائل يمكن أن يقلل من سلبيات التعامل معها. واختتم الباحث الأكاديمي العراقي تصريحه بقوله : إن التقنيات الحديثة لها فوائدها في خدمة القرآن الكريم والدراسات المتصلة به ، ولكن لتلك التقنيات مضارها أيضاً ، لأنها وسائل يمكن أن تستخدم في الخير أو في الشر ، وقد ظهر من يستخدم تلك التقنيات في التشكيك في القرآن ، أو تحريف معانيه ، من جهات متعددة : استشراقية أو طائفية أو علمانية ، ومواجهة هذه الحملات مهمة جداً ، لأنها قد تهدم في ساعة ما تبنيه في سنوات ، ولا تنفع الجهود الشخصية والأعمال السريعة في مواجهتها ، فلا بد من عمل مؤسسي واسع ومنظم يتابع كل ما يصدر عن تلك المواقع ويعالجه بالطريقة المناسبة ، ولنا في موقف علماء السلف في وجهة الحركات الباطنية سابقاً أسوة حسنة ، رحمهم الله تعالى ورضي عنهم.