أن يموت العملاق .. أن يهجر .. أن ينسى .. أن تنسى أعماله وإنجازاته أمر يجعل النفس من الداخل تحترق وتتمزق .. كثيرون من عمالقة هذا الوطن صار حالهم إلى هذا الوضع .. ولا نعرف بأمره إلا عندما يلقى عليه الضوء من إعلامي استشعر بحسه الصحفي والإعلامي مكانة وإمكانيات هؤلاء العمالقة وماذا كانوا بالنسبة لنا .. والمؤسف أن المقربين منهم ، هم أول من يهمشونهم .. ويتجاهلونهم إما لضغوطات الحياة وسرعة حركتها أو لأسباب نجهلها. كم من هؤلاء العمالقة فقدتهم هذه البلاد الولادة ؟ منهم من توفاه الله ، ومنهم من ينتظر .. ومنهم من ينخر النسيان في بقائه وينظر بعتاب لمن حوله .. يعاتب تجاهلهم له .. يعاتب هجرهم يتحسر على طيهم لأعماله ونجاحاته .. أيعقل أننا ننسى مثل هؤلاء العمالقة ؟.. لا اعتقد أن فينا ومنا من ينسى المبدعين أو يتناسى كوكبة الإعلاميين مثل (غالب كامل ، محمد حيدر مشيخ ، عبدالرحمن يغمور ، ماجد الشبل ، بدر كريم ، جميل سمان ، حسين نجار ، عوني كنانة ، علي البعداني ، عبدالله رواس ، عبدالله راجح ، الدكتور محمد احمد صبيحي ، إبراهيم الراشد وغيرهم كثير) وهم عمالقة ، وقف الميكرفون وهو جهاز أصم عاجزاً عن تمرير أصواتهم لقوتها ووضوحها.. رجال إعلام .. أتعبوا مكبرات الصوت فخارت من قوة وجزالة الكلمات التي تخرج من أفواههم. كنا نسمع أصواتهم عن بعد فنقول ( هذا صوت فلان ، وذلك صوت فلان ) نبرات خاصة ، تمكن في الأداء ، جهورية صوت ، طبقات صوتية أحياناً تكون فوق قدرة وطاقة الأذن البشرية أن تسمح لها بالمرور ، ثقافة عالية ، نطق سليم، لغة عربية صافية ، سلاسة مترابطة ،إنسيابية تجعلك لا تقول ( هذا بيقول إيه ) ومما يؤسف له أن هذه القمم عندما يختفى واحد منهم لماذا لا نبحث عنه ، نتتبع أخباره ، نتفقد أحواله ، نجعله يتواجد في المناسبات الرسمية والكبيرة ويشارك فيها تكريماً له ولسجله الزاخر بالإنجازات الرائعة الجميلة حتى وإن هو ابتعد عن المايكرفون لأسباب التقاعد أو غيره ولكن لا ننساهم ونساعد الزمن والوقت على نسيانه لهم .. هؤلاء العمالقة من مذيعي أخبار ، أو معلقى رياضة، أو مذيعي احتفالات خارجية كان لهم دور كبير في أن يقتبس منهم مذيعو الجيل الجديد من الزملاء الكرام والذين أخذ بعضهم مكانة جيدة لدى الجمهور وأسس لنفسه قاعدة جماهيرية كبيرة. دفعني للكتابة عن هذا الموضوع ظهور الأستاذ الكريم (غالب كامل) في لقاء أجرته الزميلة صحيفة عكاظ ومن خلال قراءتي الدقيقة لكل سؤال يطرح عليه وكل إجابة تخرج منه شعرت أن غالب كامل بشموخه في قراءة النشرات الإخبارية مازال يشع كما كان يشع عندما كان يطل علينا عبر الشاشة الفضية .. ولكنني استشعرت من حديثه عتاباً مبطناً صاغه بلغة الحب والمودة لبضع من زاملهم من العمالقة .. رجل كان في قمة الشموخ لم يسجل في حقه أي تقصير كل ما يطلبه التواصل والسؤال من الجميع .. صحيح أن له من يتواصل معه من محبيه ولكنني اقصد من المهنيين أمثاله .. وهنا أود أن اطرح على معالي وزير الإعلام فكرة إنشاء ( رابطة للمذيعين القدامى) وتضم كل المبدعين في مجال الإعلام - صوتاً وحرفاً - يكون هدفها التواصل معهم وأن يكون لدى الجمعية أرشيف يحتوي على سجلات بعناوينهم الكاملة حتى إذا كان هناك احتفال كبير أو مناسبة كبيرة يمكن دعوتهم للمشاركة فيها تقديراً لهم وعرفاناً بدورهم الإعلامي الرائد .. وممكن أن يكون لهذه الرابطة دور آخر وهو الوقوف على حال من قسى عليهم الزمن ، ومحاولة الرفع من معنوياتهم .. ولا نكتفي بالاهتمام بالمسئول الفلاني أو المبدع الفلاني عندما يكون في منصبه وفي قمة عطائه فنتحدث عنه أو نشيد بإنجازاته وإذا توارى وغاب عن الساحة العملية تناسيناه وكأنه لم يكن له دور في الحياة العملية.. ومما يؤسف له أن هذا – النسيان - أيضاً ينطبق على بعض الأسر فنرى الأب عندما يكون في قمة عطائه فهو الكل في الكل ، وعندما يكبر في السن يعطى زاوية في بيته يجتر فيها الذكريات ولا يُسْأل عنه ولا يُؤخَذْ برأيه إلا من رحم الله ..إن هؤلاء ثروة ، وهم شهود على الفقر والبساطة وشهود على النعمة التي وصلنا إليها الآن لنحرص عليهم ونعيدهم للساحة كلما حانت الفرصة لأنهم بحق عمالقة وما الأستاذ غالب كامل إلا واحد من هؤلاء العملاقة.