كانت مشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله في قمة مجموعة العشرين بالعاصمة البريطانية لندن فعالة ومؤثره بكل المقاييس وعلى كافة الأصعدة، وكان العالم يتطلع إليها لما تملكه المملكة العربية السعودية من رؤى في التعاملات مع الأزمات العالمية بصفة عامة. وجاءت هذه القمة لتضع حلاً ناجعاً للأزمة المالية العالمية التي تعد الأسوأ في تاريخ الأزمات المالية، ولكن ما تم الخروج به من قرارات يبشر حقيقة بأن العالم سيتجاوز هذه الأزمة من خلال النجاح الكبير الذي حققته القمة. وعلى هامش القمة كان لخادم الحرمين الشريفين عدة لقاءات مع عدد من الزعماء عكست الثقة في المملكة ومكانتها وقيادتها ودورها المؤثر على الساحة العالمية فقد التقى حفظه الله فخامة رئيس جمهورية البرازيل لويز اناسيولا ديسلفا كما التقى رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان ودولة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج وسكرتير الدولة البريطاني الفورد مان دلسن. كما استقبل خادم الحرمين الشريفين في المقر المعد له بمركز اكسل الدولي للمؤتمرات في لندن فخامة الرئيس باراك أوباما رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية وجرى خلال اللقاء بحث جهود البلدين الصديقين في اطار الجهود المبذولة لانعاش الاقتصاد العالمي ليتجاوز الأزمة التي يشهدها حالياً ويستعيد اتجاهه نحو النمو والحيلولة دون استمرار المشكلات التي يواجهها. كما أن مثل هذا اللقاء ما كان ليمر دون التطرق الى التطورات الاقليمية والدولية وفي مقدمتها الوضع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وضرورة تحقيق السلام العادل والشامل الذي يضمن للشعب الفلسطيني اقامة دولته المستقلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام. فالسلام العالمي في منطقة الشرق الاوسط كان دائماً هاجس خادم الحرمين الشريفين لأن الاستقرار السياسي نفسه متلازم مع الاستقرار الاقتصادي ككل وتحمل المملكة لهما الكثير من المبادرات، ولما كانت منطقة الشرق الاوسط منطقة مهمة كان الاستقرار فيها أمراً لابد منه حتى يكون في ذلك مساهمة في الاستقرار العالمي ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين للسلام والتي أصبحت مبادرة عربية في قمة بيروت عام 2002م لتعبر عن اليد العربية الممدودة دائماً للسلام ومن أجل السلام، ولقد حظيت هذه المبادرة بتأييد الرئيس أوباما ولذلك فإن هذا اللقاء الذي تم بين المليك المفدى والرئيس الأمريكي مؤمل له أن يكون انطلاقة لتشكيل مرحلة مهمة تبشر فعلاً بالسلام العادل والشامل في المنطقة من خلال اعادة الحقوق الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من اقامة دولته على ترابه الوطني، ومن خلال اعادة الحقوق العربية كاملة الى أهلها ليعم السلام الحقيقي للمنطقة بأكملها. كما أن لقاء المليك وأوباما كان فرصة أخرى لاستعراض العلاقات المتينة التي تربط بين المملكة والولاياتالمتحدة وهي علاقة وضع أسسها القائد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه في لقائه التاريخي مع الرئيس الامريكي الاسبق تيودور روزفلت ومنذ ذلك ولأكثر من ستة عقود كانت العلاقات تسير دائماً الى الأفضل رغم محاولات الحاقدين المتربصين الذين حاولوا انتهاز اعتداءات سبتمبر للدس في العلاقات السعودية الامريكية ولكن تلك المحاولات تكسرت كما تكسرت قبلها محاولات وانطلقت العلاقات الى مستوى الشراكة الاستراتيجية من خلال الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين. من منظور هذه العلاقات المتميزة ليس غريباً ان تشكل المملكة والولاياتالمتحدة مع بقية مجموعة العشرين تكتلاً مهماً لانقاذ العالم من أزماته الاقتصادية وخاصة هذه الازمة الحالية التي ألقت بظلال ثقيلة على مختلف دول العالم بما فيها الدول الكبرى المعروف عنها انها قوية اقتصادياً، فالمملكة كما قال عنها خادم الحرمين الشريفين سوف تستمر في تبني سياسات اقتصادية لضمان نمو اقتصادها وخلق فرص العمل والوفاء بمتطلبات دورها البناء في الاقتصاد العالمي وفي تبني السياسات واتخاذ الاجراءات الضرورية لضمان السيولة في النظام المالي بما في ذلك زيادة مشاركة المؤسسات المالية الحكومية في توفير التمويل، كما أن المملكة سوف تستمر في لعب دورها من اجل تحقيق الاستقرار داخل أسواق النفط حيث إن الازمة المالية الحالية كان لها الاثر السلبي على الطلب العالمي على النفط والتوقعات بخصوص الطلب المستقبلي كما اشار الى ذلك خادم الحرمين الشريفين حفظه الله. ومن هذا الحرص على تلافي الازمة العالمية ليس غريباً أن تكون المملكة هي الأكثر انفاقاً إذ إن حزمة المحفزات التي تبنتها المملكة هي الأكبر بين الدول الاعضاء وقد أكدت بيانات صندوق النقد الدولي ذلك حيث ضخت المملكة أكثر من 2% من ناتجها المحلي الاجمالي في خطط حوافز خلال العام الماضي كما ستنفق أكثرمن 3% هذا العام. ومن واقع ما توصلت إليه مجموعة العشرين من قرارات ايجابية وبناءة فإننا نلمس رؤية المملكة وتجربتها ماثلة في كل ما توصلت اليه القمة من قرارات فما تم التوصل اليه من انشاء مجلس للاستقرار المالي العالمي مع آليات تعزز مهماته في التعاون مع صندوق النقد الدولي من شأنه توفير آلية للانذار المبكر حول المخاطر الاقتصادية والمالية مع توفير آليات للتصدي لمثل هذه المخاطر. كما أن التعهد بتعزيز الرقابة على الأنظمة المالية والمصرفية من شأنه أن يساهم في حماية قوية للمؤسسات المالية من الانهيار. عموماً ومن خلال ما تم التوصل اليه في قمة العشرين يمكن القول ان المشاركين قد توصلوا الى اتفاق حاسم للمعالجة في المستقبل، حيث أكدت القمة على أهمية تنظيف النظام المصرفي، مما علق به وانهاء الملاذات الضريبية الآمنة التي تلتزم بسرية المعلومات حول الودائع، فالبيان الختامي للقمة بحق يعكس درجة عالية من الاتفاق والوفاق بين كافة المشاركين في القمة وحرصهم على حل المسألة الشائكة في النظام المصرفي الدولي .