فُجعت دوائر التربية والتعليم بفقد علم من أعلامها ورائد من روادها البارزين الاستاذ عبدالله بن همام المنعمي، ذلك الرجل الفذ الذي كان له أبلغ الاثر في تطوير العملية التعليمية بمنطقة مكةالمكرمة كما كان له دوره الطليعي الذي لا تزال بصماته واضحة على التعليم وتطويره من خلال رحلته التعليمية والتربوية التي استغرقت أكثر من اربعين عاما مدرسا فوكيلا لمعهد المعلمين فمساعداً لمدير عام التعليم بمكةالمكرمة. لقد منح هذا الرجل مهنته كل وقته وجهده، وأعطاها عصارة فكره وتجاربه وانفق فيها زهرة عمره ونضارة حياته فكان يحنو على طلابه ويؤثرهم بالبذل والمساعدة ويسلحهم بالعلوم والمعارف، وواصل عمله بهمة عالية وارادة صلبة من خلال مهامه التي تقلدها وظل يواصل عطاءه وبسخاء اكثر من اربعين عاماً حتى خلف وراءه ارثاً تربوياً يمثل رصيدا هائلاً للاجيال القادمة، تشهد بذلك تنظيماته الادارية التي ابتكرها وطلابه النجباء العديدون الذين يعدون بالآلاف وكذلك العاملون معه في كل المواقع الادارية التي تقلدها. ولم يكن الرجل ليهدأ لحظة واحدة بعد ان احيل الى التقاعد فقد واصل اداء رسالته العلمية والتربوية بنفس الحماس والاخلاص والبذل الذي عرف به قبل التقاعد، وحرص على توثيق صلته برجال المهنة ومدرسيها وطلابه ومؤسسات التربية والتعليم، والمنتديات العلمية والثقافية والدينية في أم القرى وغيرها. ولا تزال ابتسامته الرقيقة ماثلة في ذهني حتى الآن حين استقبلني عام 1390ه في بداية عهدي بالتدريس كمعلم لمادة التربية وعلم النفس في معهد المعلمين بمكةالمكرمة وكان يومها يشغل وكيل ذلك المعهد للشئون الادارية، فشعرت بدفء اللقاء وسعدت بحرارة الترحيب وادركت على الفور انني سأحظى بعلاقة وطيدة مع هذه الشخصية الفذة التي كانت تحنو على الهيئة التدريسية حنو المرضعات على الفطيم، وتعمل على توثيق عرى المودة والمحبة والتعاون مع الجميع حتى شاعت بينهم روح الاخوة والصداقة التي ترفرف عليها معالم الحب والاخلاص والوفاء. وكانت هيئة التدريس في المعهد حينئذ تشكل ثلة متميزة من التربويين على رأسهم مدير المعهد الاستاذ عبدالحميد خياط ووكيله للشئون الفنية الاستاذ منصور سليم الدين منشي ونخبة ممتازة من التربويين منهم الشيخ عمار الطيب، والشيخ داود شمس الدين والشيخ ابراهيم المبارك والشيخ نعمان طاشكندي.. وغيرهم. ولقد كان لقائي مع هذا الرجل فاتحة خير وبركة لي في حياتي العملية فقد وسعني بحس خلقه، واسرني بحميد صفاته ووجهني بحس معاملته وخصني برعايته وعنايته وآثرني بعطفه ومودته فكان موجها لي في المهنة وراعياً لمصالحي في الحياة العامة، ومتابعاً لأموري في الوطن اثناء دراستي في الخارج. وعلى الرغم من ان المدة التي قضيتها بصحبته تجاوزت العامين بقليل لكنني استفدت منه كثيراً من الخلال الطيبة اثناء مصاحبتي له في المعهد وخارج المعهد في الرحلات والعطلات والمنتديات الاجتماعية، وظلت علاقتي به رحمه الله قوية حتى الآن. وقد عرفت عنه الكثير من الخلق العظيم من وفاء وحلم وكرم ودماثة خلق وتعاون صادق مع الجميع وشفافية حقيقية كما كان بارا بوالدته التي توفرت على رعايته وتربيته منذ الصغر حيث توفي والده وهو صغير . رحم الله شيخنا واستاذنا عبدالله بن همام المنعمي رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته، وجازاه عنا وعن زملائه وطلابه ومجتمعه ووطنه خير الجزاء فقد كان مثال الأخ المخلص، والتربوي الحصيف، والاداري الناجح والمعلم الموجه والناصح الأمين. (إنا لله وإنا إليه راجعون).