|| كما يعلم الجميع أن نعم الله علينا كثيرة لا تُعد ولا تحصى ، ومن الشكر أن نُحافظ على جوارحنا التي هي من أعظم النعم علينا ، والتي هي أمانة يجب الحفاظ عليها. فكم من مريض يتمنى العافية؟ وكم من صحيح وهو بكامل العافية ، لم يستطع أن يحافظ على عافيته ، فهو تراه يسارع في المعاصي ، بدلاً من أن يستغل عافيته في الخيرات. فنراه ينظر إلى الحرام بعينيه من المسلسلات والفواحش والمنكرات. وإما بأذنيه فهو يسارع بسماع لهو الحديث من المعازف والغناء والغيبة والنميمة وغيره ، فرجلاه تمشيان إلى الحرام. قال تعالى: (... إنَّ السَّمْعَ واَلْبَصََرَ واَلْفَؤَادَ كُلُّ أولئِكَ كَانَ عَنْهُ مسئولا) الإسراء 36، وحتى بلسانه فتراه يسعى في الغيبة والنميمة وظلم الآخرين والقذف والسب والشتم والتحدث بما يُغضب الله. قال تعالى: (... وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غضَبي فقدْ هَوَى) طه 81 ، ونسى المسكين انه من يغضب الله عليه والعياذ بالله ، قد خسر الدنيا والآخرة وأصبح من الهالكين!! ونسى أن كل ما يلفظه أو يعمله فسيقف بين يدي الله وسيسأل عنه يوم القيامة. قال تعالى: (مَا يَلْفِظ مِن قوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) حق 18 ، يعني: يستترون من الناس خوفا من اطلاعهم على أعمالهم السيئة ، ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه ، وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه ، مطلع عليهم حين يدِّبرون - ليلا - ما لا يرضى من القول ، وكان الله - تعالى - محيطا بجميع أقوالهم وأفعالهم ، لا يخفى عليه منها شيء. ونقرأ في سورة الزلزلة هذه الآية الكريمة فهل تدبرنا معناها؟ قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبَارَهَا) الزلزلة 4. يوم القيامة تخبر الأرض بما عُمل عليها من خير أو شر. فهل نحب أن تشهد علينا جوارحنا بخير أم شر؟ وهل نحب أن تشهد علينا الأرض بخير أم شر؟ هل نحب أن تكون صحائفنا بيضاء أو سوداء والعياذ بالله؟ هل نحب أن نأخذ كتابنا باليمين أم بالشمال والعياذ بالله؟ هل تحب أن تُديم عليك النعم والعافية؟ إذاً الشكر سبب في زيادة النعم ودوامها بإذن الله. ومن الشكر الحفاظ على أمانة الجوارح واستغلالها في الطاعات والبعد عن المعاصي وان نتّقي الله لقوله تعالى: (واتقوا الله ما استطعتم). وأخيراً أذكّر نفسي وإياكم بقوله تعالى في كل تائب صادق مهما كانت ذنوبه: (إلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فأوْلئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غفوراً رَّحِيماً) الفرقان 70 ولكن الحذر من التسويف والتأجيل في التوبة ، فالعمر محدود ، والوقت هو العمر ، والموت لا نعرف وقته. قال تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَة لِلَّذِينَ يَعْمَلونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذا حَضَرَ أحَدَهُمُ الْمَوْتُ قال إنِّي تُبْتُ الآنَ ...) النساء 18 فباب التوبة مفتوح مادامت الروح فينا ما لم تغرغر عند الموت ، ومادامت لم تطلع الشمس من مغربها. وأضع أمام عيني قول أحد السلف رحمه الله: (لا تنظر إلى صغر المعصية ، ولكن انظر إلى من عصيت)! اللهم إني أسالك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت ، أن تجعلنا من التائبين الصادقين ، وان لا تدع لنا غافلاً وضالاً إلا هديته وثبّته آمين.