دمار كلي كما لو أن زلزالا قويا قد ضرب المنطقة، لكن هذه لم تكن كارثة طبيعية. كانت توجد هنا بساتين ليمون وزيتون ومنازل واسعة ذات أفنية وساحات يربى فيها الدجاج، والآن لا يوجد سوى مبان مدمرة نصف مدفونة في بحر من أرض مجرفة في مشهد دمار غريب. إنه الدمار الذي خلفه هجوم إسرائيلي استمر 22 يوماً ضد قطاع غزة، قالت إسرائيل إنه يهدف لمنع نشطاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من إطلاق صواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية. بدأ الفلسطينيون بمعاينة الدمار الذي لحق بحي شرق جباليا، الذي ابتلي بكونه يشغل قمة مرتفع يطل على مدينة غزة، فأرادت القوات الإسرائيلية السيطرة عليه، فقصفته بالقنابل والدبابات ثم جرفت الأشجار والحدائق من أجل إعداد موقع صالح لإطلاق النار بدون عوائق يطل على الشوارع إلى الأسفل. ورغم أن بعض المناطق في قطاع غزة تبدو طبيعية على نحو غريب بعد قصف متواصل من البر والبحر والجو، إلا أن التحرك داخل الحي يبدو كما لو أن المرء قد دخل (ستالينغراد)، ليرى أحد المشاهد المظلمة لمعركة الإبادة في الحرب العالمية الثانية. ويقول سكان بالمنطقة إنها شهدت معارك عنيفة. لكن أغلب المدنيين كانوا قد فروا بالفعل ولجأوا إلى مدارس تديرها الأممالمتحدة بالمدينة. الآن، وبعد أن أصبحوا بلا مأوى، فإنهم يقيمون وسط الكتل الخرسانية المدمرة لما كان في السابق منازلهم ويصنعون النزر اليسير من الطعام على مواقد في غرف معيشة يغطيها السواد وبلا جدران خارجية. ويبحث الرجال بشكل محفوف بالمخاطر تحت قطع الخرسانة المحطمة عن أغطية أو إطارات أبواب أو قطع خشبية أو صور أو كتب أو أي شيء عزيز عليهم أو لا يزال صالحا للاستخدام يمكنهم انتشاله من تحت الانقاض. وتقول آمنة أبو عيد التي دمر منزلها الذي كان مكونا من ثلاثة طوابق وأصبح أشبه بكعكة من الإسمنت سحقت بمطرقة ثقيلة (لا توجد حديقة.. لا أشجار.. لا حجارة.. ولا منزل). وكانت ابنتها فاطمة (29 عاما) تحدق في قط كانت ترعاه الأسرة وهو يتنقل فوق الحوائط المدمرة وهو يشم منزله السابق الذي تغير شكله.وعلى مقربة كانت هناك شاة نافقة، لكن أحد الجيران وجد الجدي يثغو طلبا للطعام. وجمع محمد عابد (47 عاما) سبع دجاجات بيضاء في الهيكل الخرساني لمنزله في حين كانت عبوات قذائف إسرائيلية منفجرة من عيار 155 مليمترا ملقاة بالخارج.