يعاني كثيرٌ من الناس في هذا الزمان من الحيرة الشديدة ، وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في كثير من أمور الحياة وشؤونها مهما كانت يسيرة . ولعل مرد ذلك أنهم يجهلون ما يترتب على إتيان هذا الأمر والإقدام عليه ، أو لأنهم يخافون المغامرة ويكرهونها ما لم تتبين النتائج وتعرف لهم على وجه مؤكد أو شبه مؤكد . ولأن كثيراً من شؤون الحياة وأحوالها في هذا الزمان تجبر الإنسان على الحيرة والوقوف أمامها طويلاً قبل الإقدام عليها ، فليس غريباً أن تجد أحدهم يستشيرك في أمر من أموره ، والآخر يطلب نصحك في شأن من شؤون حياته ، والثالث يسألك عن رأيك في مسألة عرضت له ، وهكذا . وهنا أقول : إن ما يقع فيه الناس من الحيرة في أمورهم شيء طبيعي جداً ، ولا بد منه في كثيرٍ من الأحيان ، لأنهم لا يعلمون أين يكون الخير والصلاح ما لم يكن هناك الدليل القاطع والبرهان الواضح . ولكن حيرتنا لن تنتهي إذا اقتصرنا في ذلك الشأن على سؤال الآخرين ،واستشارتهم ،وطلب وجهات نظرهم ،دون الرجوع إلى هدى الإسلام العظيم ونهجه المستقيم في هذا الشأن ؛ فقد أرشدنا معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم إلى (صلاة الاستخارة) ، وهي سنةٌ لمن أراد أمراً من الأمور المباحة والتبس عليه وجه الخير فيه . وبيان كيفية هذه الصلاة معروفٌ ومذكور في كتب الفقه والسنة النبوية . وهنا أُشير إلى أن المقصود من أداء صلاة الاستخارة في أمرٍ من الأمور الدنيوية - فيما يظهر لي - يعني أن الإنسان المسلم قد رجع إلى الله تعالى بعد أن استنفد طاقته البشرية وقدراته الإنسانية في هذا الشأن ، وبعد أن فكّر فيه ملياً ، وتأمله طويلاًً ، فاحتار فيه ، ولم يعلم وجه الخير فيه ، وعندها كان لا بُد من الرجوع إلى من بيده الأمر كله جل وعلا. فلماذا لا نحرص على أداء هذه الصلاة كلما احتجنا إليها ؟! ولماذا لا نحافظ عليها ونؤديها كما علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن) (رواه البخاري). وهنا يحضرني ما كتبه فضيلة الشيخ الموسوعي / علي الطنطاوي (رحمه الله تعالى) في هذا الشأن حيث قال : (إن الاستخارة الشرعية ليس فيها اتكال على المصادفات ، ولا تعطيل للعقل ، ولكن فيها رجوعاً إلى الله سبحانه ، وإحياء للإيمان) . ولماذا لا نُحافظ على أداء هذه الصلاة المشروعة؟ وأين نحن من إحياء سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم المُتمثلة في أداء صلاة الاستخارة متى أشكل علينا أمرٌ من الأمور؟ ولماذا ننسى أنه ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار؟ أستاذ التربية الإسلامية المساعد بكلية المعلمين في جامعة الملك خالد بأبها