جاء الشرع بهذا التوقير للعلماء لما فيه من مصالح عظيمة ، فإن توقير العلماء أدعى إلى توقير علمهم الذي يحملونه وأقرب إلى أن يحرصوا على بذله للناس ، فإن التوقير والأدب والتلطف يستدر به العطف والود، كما أن في ازدرائهم واهانتهم خطراً على المجتمع بكتمانهم العلم، أو عجزهم عن إبلاغه ، أو استهانة الناس بهذا العلم الذي يحملونه ولذا كانت سنة الله تعالى في من اعتدى على أهل العلم والصلاح أن يفضحه الله قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً). قال الحافظ ابن عساكر: اعلم يا أخي رحمنا الله وإياك ، أن لحوم العلماء مسمومة.ومن الآثار السيئة التي قد تترتب على عدم احترام أهل العلم واعطائهم حقهم الشرعي الذي لهم من التوقير والاحترام من آثار ذلك أن يفقد الناس الثقة في أهل العلم فلا يقبلون منهم كلاماً ولا فتوى ، ولا نصحاً ولا إرشاداً ، فلا يكون للعلماء دور الريادة في الأمة فيتخذ الناس الرؤوس الجهال المضلين ،وكذلك فإن من الآثار السيئة تجرئة السفلة والسفهاء للطعن في العلماء والتطاول على الشريعة بعد ذلك. ومن الآثار السيئة أيضاً اشاعة العداوة والبغضاء في المجتمع بما ينتشر من حزبية بغيضة وتنافر وتناحر، ولكل هذا كان من خطط أعداء الله ومخربي الأديان أن يعنوا عناية عظيمة بالحط من كرامة علماء الدين في أعين الناس وبذلك ينجحون في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤود في طريقهم ، حتى يتضاءل نفوذ العلماء على الناس يوماً فيوماً. إن من صور توقير العلماء : الأدب في الاستفتاء والسؤال، وقد ذكر أهل العلم للسؤال آداباً تنبغي مراعاتها فمن ذلك أن يحفظ الأدب ويظهر التواضع مع المفتي فيجله في خطابه وسؤاله فلا يرفع صوته عليه ، ولا يؤميء بيده في وجهه ولا يكلمه بلهجة قاسية جافة ، ولا يقول له اذا سمع اجابته هكذا قلت أنا ، أو هكذا توقعت ، ولا يقل.افتاني غيرك بغير هذا الجواب كما يكره للمستفتي كثرة السؤال من غير احتياج. وكذلك من الأدب أن يتخير المستفتي الوقت المناسب للاستفتاء ، فلا يستفتيه إن رآه في هَم عارض له ، أو أمر يحول بينه وبين عقله ،ويصده عن استيفاء فكره حتى يزول ذلك العارض فحينئذ يسأله. هذه جملة أمور يقاس عليها ما سواها ومن كان لطيف الذوق فإنه سيدرك كيف يلزم الأدب مع العلماء الذين هم خيار الأمة. القاضي بالمحكمة العام بمكة المكرمة