يأتي العيد في بلد العيد.. في موقد الشعلة التي بددت العتمة وأزالت الغشاوة، وتزايلت عن نورها القباب والشرفات فما أزهر وما أعم!!. من هنا من مهبط الوحي وطلائع المفتدين، من مدرج الفصحى ومعجزة البيان شمخ العيد فعمت أضواؤه هذا الكوكب لينير بمثاني المعجز كل ما خلق الله أسوده وأحمره.. ويزحم الابداع في بصائر الموحدين كيفما كان في الأخضر وفي الأغبر.. وفيما حوت التلال والمفاوز والجبال والبحار هذا بعض ما يبعثه ويثوره العيد؟ وهل من الممكن ان نرصد شعر العيد ونحصي شعراءه، لا أعتقد اننا في مثل هذه العجالة سنحصي فلتات الشعراء في مثل هذا اليوم ولا أن نتدارك عليهم ما صدحوا به أو تذكروا فيه، ولكن القارىء يحب ان يجلو نظره ويجيله في شعاب الشعراء وغنائية الفن ويتنقل مع تأوهاتهم وأحاسيسهم وكيف يستقبلون يوم العيد وما الذي يتشوقون إليه أو يتبادر إلى أذهانهم في فرحة العيد.. تعالوا فقد أخذنا نتفامن هنا وهنالك فلعل فيها ما يبرد الغلة ويثير الكامن لدى المعجبين من المفارقات التي ينفرد بها الشعراء. هاهو شيخهم وموفدهم الى (عبقر) يقول في دار ابن الخصيب: عيد بأية حال عدت يا عيد فيما مضى أم لأمر فيك تجديد؟!! أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيدا دونها بيدُ!! هذه نظرة أبي الطيب في يوم عيده وإلى ما بعده من الأماني التي أتعب خيله وركابه في طلابها وهو من هو في شأن القريض وخواص المولعين بالحكمة واللغة الموافقة.. لقد أبعدت النجعة يا أبا محسد وأوهمت ما اتخذه الناس بعدك تدليلا جاهز إلى آخر العربية. أما شاعر العراق المسكون بالوجع وشاعر العربية الذي لم يخلد لأي مطمع غير الفكاك من مطمع المادة وما تفعله في النفوس فقد رفع عقيرته التي طوت العروبة وأشغلت الموسرين إلى اليوم: فجئت وجوف الطبل يرغو وحوله شباب وولدان عليه تجمعوا لقد وقفوا والطبل يهتز صوته فتهتز بالأبدان سُوْقٌ واكرع وقفت أجيل الطرف فيهم فراعني هناك صبي بينهم مترع صبي صبيح الوجه أسمر شاحب نحيف المباني أدعج العين أنزعُ!! عليه قميص يعصر اليتمُ ردنه فيقطر فقرا من حواشيه مدقع ما أكثر البطر المفحش والمغالاة والانتفاخ في زمننا هذا!! أما شاعرنا الكبير محمد بن علي السنوسي فقد اطلقها على عفويته المعهودة دافئة كسواحله وملاذ عشقه: سلوا العيد عني أو سلوني عن العيد فمن لحنه لحني ومن عوده عودي فإني وإياه أليفان طالما عزفنا معا انشودة المجد والجود وحيدان إلا من رؤى عبقرية بها سحره يوحي فتشدو أغاريدي سميران والآمال يهفو جناحها سموا بنا في عالم غير محدود طويت وإياه الأماني شأنها كأنه خدود العذارى أو أزاهير املود وجزت وإياه الشباب كأنه أغاريد طير في شماريخ عنقود فهل ما يزال العيد شرخا شبابه كعهدي به أم شاب كالشيب في فودي أما شاعرنا الذي شغل جيله وواثب الحركات المبدعة حمزة شحاته فيتذكر في العيد ما يتذكره اولي الهوى واللذاذة: هذا هلال العيد أشرق فاغتبط والبس لمقدمه السعيد سعيدا واخلع قديمك للقديم تلفه فيه يد تطوي الطريف تليدا ارسل لفارهة الشباب لجامها فغدا سيعقبك المشيب قيودا!! ثم يمضي رحمه الله في طلب التزيد من اللذة وملاحقة الترفه ولا نعدم من يجاريه هذا المنحى من شعراء عصره فهذا شاعر الاسكندرية صالح جودت يقول: أفديه لما أتى في ليلة العيد منغم الخطو معسول المواعيد!! العطر في صدره والشهد أجمعه والورد في خده والفل في الجيد!! أرأيت كيف تباينت نظرات بني شعر وكيف تلونت شعابهم أو تفرقت سبلهم فمن طامع آمل، الى متحسر متلهف، الى عاشق كبتته مشاغل الهموم، الى عفوي لم ينس ما للحياة من تقدير ومكانة.. أما أنا فلي قصيدة قلتها في العيد متأثرا بما شاهدته من وهج هذا الحفول في نفسي وفيما حولي أقول منها: في مثل هذا اليوم تدنو السما ويمطر الخير ويذكو النما!! وتنهد الارواح رفافة نورية الترتيل خضر الدما!! تطوف بالايمان في نشوة مثل العصافير وقطرهما!! سبحان من زان الوجود ومن ميز بالتوحيد هذا الحمى!! وخلص الإنسان من ضعفه وترهات الجهل حتى سما!! ما أجمل العيد وأحلى الذي على الشفاه الخضر قد نمنما؟! الصادقون البيض قد أيقنوا ان البياض الحرَّ ما علّما!! وان درب الحق غير الهوى وحكمة الإبصار غير العمى!! وان أرقى ما ترى فطرة أن يصدق المفطور ما ألهما!! وأن خلد النفس في فهمها لله ما أعطى وما قيمَّا!! سبحان ربي ما أعز الذي قد عانق العيد به المسلما؟!