ذات يوم وجدت زوجتي تراجع لابنتنا ما استظهرته من كتاب العلوم حاولت أن أتدخل للتذكير بأن المهم هو الفهم والتأمل والتساؤل والحوار، وليس الاستظهار رددت على أعقابي (دع البنت تنجح أولاً.. ثم بعدين تفكر!!)، هذا مقطع من حديث للاستاذ الكبير والبروفسير القدير الدكتور زهير السباعي في كتابه (تعليمنا إلى أين؟!) في اشارة له الى ان اسلوب التعليم في مدارسنا مازال حتى وقتنا الحاضر يُمارس بطريقة الالقاء والتلقين، فهو القاء وتلقين من المعلم للطلاب، وحفظ واستظهار للمعلومات الموجودة في الكتاب، وأخيراً قيء واسترجاع في ورقة الامتحان، دون فهم او استيعاب من قبل الطلاب، بعيداً عن المناقشة والحوار المفترض ان يكون بين الطلاب ومعلميهم، لأن في أغلب الأحوال يكون المعلم نفسه غير قادر على شرح المعلومة، ولا ملمٌ بمعنى المعلومات الموجودة في الكتاب، فيعمد الى القائها وتلقينها للطلاب كما هي مكتوبة في الكتاب المدرسي، ولعل سبب ذلك يكمن في عمق اللغة المكتوبة بها المعرفة أو صعوبة المصطلحات الواردة فيها.. وغير ذلك مما يعرفه المعلمون.يدلل على ذلك ما اشار به د. زهير في مقطع آخر من الكتاب فيقول : جاءتني زوجتي ليلة امتحان مادة الفقه في امتحان الثانوية العامة مضطربة، تريدني أن أشرح لها بعض ما غمض عليها حاولت وعجزت.. اتصلت بصديق لي من المشايخ الذين لهم باع في الدعوة، دعاني الى بيته أخذ يطالع كتاب الفقه ويقوم من مجلسنا بين الفينة والأخرى ليتصل بأحد مشايخه يستوضحه ما غمض عليه!.هذا هو واقع التعليم في مدارسنا وهذه هي مستويات المعلمين الذين يقومون بتعليم ابنائنا في المدارس ما عكس آثاراً سلبية لدى الأبناء وجعلهم يساقون الي الحفظ والاستظهار، ومن ثم التقيؤ والاسترجاع وقت الامتحان وأخيراً (النسيان) وما يدعو للتعجب والاستغراب ان الطلاب المتفوقين دراسياً الذين يحصدون الدرجات التي تصل الى 100%، هم الذين تكون اجاباتهم مستنسخة من الكتاب مع مراعاة كتابة (الشولة، والفاصلة والتنقيط.. الخ كما هي منسوخة في الكتاب المدرسي، اما من يجتهدن من الطلاب ويحاول الكتابة بأسلوبه ليُدلل على انه فاهم للمعلومات وليس حافظاً لها يكون حظه الأقل في الدرجات.يتساوى في ذلك التعليم في المدارس الحكومية مع المدارس الأهلية (الخاصة)، فالتعليم في المدارس الأهلية لا يختلف كثيراً، ولا يبتعد عن التعليم في المدارس الحكومية الا في بعض المستحدثات مثل ادخال اللغة الانجليزية في المرحلة الابتدائية، والحاسب الآلي والسباحة وغيرها من البرامج الرياضية، اما المناهج فهي نفس المناهج واسلوب التعليم هو التلقين التقليدي الذي تحدثنا عنه آنفاً.بعض المدارس الأهلية تفوقت في مبانيها، ونظام (النجوم الخمس) في مرافقها ووسائلها التعليمية، ولكن يظل الفكر هو الفكر والاسلوب هو الأسلوب.ولم يكن التعليم الجامعي بأحسن حظاً في اسلوبه من التعليم العام ذلك ما يؤكده ايضا د. زهير السباعي في مقطع ثالث فيقول : إن التعليم في جامعاتنا العربية أكثره تلقيني، تنتقل فيه المعرفة من الاستاذ الى الطالب في اتجاه واحد، وحظ النقاش والحوار فيه ضئيل!!.وينتقد الدكتور زهير السباعي في مقطع آخر وضع المناهج، وواقع الادارة في الجامعات وهو في رأينا ما ينسحب أيضاً الى المدارس في التعليم العام فيقول : (المناهج غير متصلة بقدر كافٍ بحاجة المجتمع الآنية او المستقبلية، ومركزية الادارة تعوق أي تقدم حقيقي للمشروعات فكثير من القرارات التي يمكن لرئيس القسم أن يتخذها، لا يبت فيها الا العميد أو مدير الجامعة وبعضها لا يجد حلاً الا من قبل الوزارة!!.ويظل السؤال قائماً.. تعليمنا الى أين؟!.هذا ما سوف أعود اليه في مقالات لاحقة إن شاء الله تعالى.. والله الموفق