شقيت به الأشياء وضاقت مكابدته لها وملامحه كسرت قسماتها شظايا ذلك الدم النازف من أصابع السنابل وأوراقها الصفراء فآلام عدة توكأت على جبينه المتشح بعرق النضال في هذه الحياة ولم تتلعثم على أن تجر ذيولها عليه وإليه من كل حدب وصوب حتى غدت ابتسامته متشيخة المحاجر غازية له من حيث لا يدري. تضاءل جسده بانحدارية مخشوشنة حتى بدت آمال عظامه تئن من خلال صهيل جلده اليابس. كانت الأبواق حوله تدك بصلابة بغية إخماد صوته الذي كان أصلاً مخموداً بألم داخل حنجرته فقبل أن تهاجمه تلك النار الجامحة كانت حباله الصوتية تقرأ بصدق كل تلك الانفعالات الطبيعية المرسومة بخجل على بشرة أولئك الأطفال الذين فقدوا من كان يمدهم بالحنان والغذاء والكساء وباتوا في صحراء قاحلة كلها خوف وعراء. كان يجيد التمعن في تلك الأوجه التي نبش تجاعيدها الزمن بترهل غاضب حتى جاءت بأوصالها المتقطعة من شدة الطهر والعفاف مضطرة للوقوف أمام بوابات الاستجداء الباكية وربما قد تقف طويلاً ولا حياة لمن تنادي .. أحياناً يصرخ بأعلى صوته وهو في غمرة آلامه ليناظر تلك الألوان الملونة المنحازة لعرف الكماليات التي قد ترقص طرباً على جدار سراديب الفرح من الوقت واللحظة وفي الوقت ذاته يرى تلك الانكسارة الخافتة من الضوء والتي قد تصل إلى حد الصفر على شفاه قد تيبست منابع السعادة لديها فأصبحت لا ترى إلا الظلام من حولها. أوهام عديدة قد تجلب السرور لكل من يتشدق بالكلمات الطويلة بعيداً عن معطيات الحقيقة والتعامل الجاد معها. أقدام متورمة وأجساد منتفخة قد لا تتسرب الآلام اليها وقد تهرب منها وهم يعيشون في أضعاث احلام مليئة بأرتال زائفة من الأوهام فشتان بينها وبين ما يحمله ذلك المناضل الجلمود من آهات مثقلة في فؤاده مرتعشة برطوبة المطر. حاول جاهداً أن يغرس رأسه بين أطراف وسادته علَّ الكرى يريحها مما هي فيه ولكن هيهات أن يتسنى له ذلك فسراديب عزلته عاتية وعروق شجره غارقة وفلاة حزنه أليمة حارقة فهل بعد ذلك سوف ترتفع السنابل لتقابل في صمت يقظ تلك الشفاه الواعدة؟!!.