8- كفالة حقوق الأرقاء:لقد كفل الإسلام حقوق الأرقاء لأن الرقيق يعتبر إنساناً كاملاً، فمن ذلك: 1- جعلهم إخوة للأسياد وأمر بإعانتهم:عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألناه عن ذلك فقال: إني ساببت رجلاً فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعيرته بأمه؟)) ثم قال: ((إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم)). قال الحافظ: “فيه إطلاق الأخ على الرقيق، فإن أريد القرابة فهو على سبيل المجاز لنسبة الكل إلى آدم، أو المراد أخوة الإسلام، ويكون العبد بطريق التبع أو يختص الحكم بالمؤمن". وقال الحافظ أيضاً: “وفي الحديث النهي عن سب الرقيق وتعييرهم بمن ولدهم، والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم". 2- عدم تكليفهم ما لا يطيقون:عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق)). قال النووي: “وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل ما لا يطيقه، فإن كان ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره". 3- التشديد في ضرب الرقيق:عن زاذان أبي عمر قال: أتيت ابن عمر وقد أعتق مملوكاً قال: فأخذ من الأرض عوداً أو شيئاً فقال: ما فيه من الأجر ما يسوى هذا، إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه). قال النووي: “في هذا الحديث الرفق بالمماليك وحسن صحبتهم وكف الأذى عنهم". 4- التشديد في قذف المملوك:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال). قال ابن بطال: “في هذا الحديث النهي عن قذف العبيد والاستطالة عليهم بغير حق؛ لإخبار النبي عليه السلام أنه من فعل ذلك جلد يوم القيامة". 5- الفضل في تعليم العبيد والإماء وتأديبهم:عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له جارية فعلمها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران). قال المهلب: “فيه أجر التأديب والتعليم، وأجر التزويج لله تعالى، وأن الله تعالى قد ضاعف له أجره بالنكاح والتعليم وجعله كمثل أجر العتق". 6- إعطاء الرقيق أجره مرتين إذا أدى حق الله وحق سيده:عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل كانت له جارية أدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران، وأيما عبد أدى حق الله وحق مواليه فله أجران). قال ابن عبد البر: “إن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان: طاعة سيده في المعروف وطاعة ربه، فقام بهما جميعاً كان له ضعفا أجر الحر المطيع لربه مثل طاعته؛ لأنه قد أطاع الله فيما أمره به من طاعة سيده، ونصحه وأطاعه أيضاً فيما افترض عليه". رابعاً: حق التدين:قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِى الدّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ) البقرة:255. قال قتادة: “أكره عليه هذا الحي من العرب لأنهم كانوا أمة أمية ليس لهم كتاب يعرفونه فلم يقبل منهم غير الإسلام، ولا يكره عليه أهل الكتاب إذا أقروا بالجزية أو بالخراج ولم يفتنوا عن دينهم فيخلى عنهم". وقال ابن جرير: “وكان المسلمون جميعاً قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوماً فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر، ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم، كان بيّناً بذلك أن معنى قوله: (لا إِكْرَاهَ فِى الدّينِ) إنما هو: لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية ورضاه بحكم الإسلام". قال الدوسري: “هذه الآية الكريمة تميَّع في فهمها بعض المفسرين العصريين والكتاب الذين يحاولون الدفاع عن الإسلام ويمدحونه بحرية الأديان والمعتقدات حتى توسعوا في ذلك توسعاً أضاعوا فيه قواعد الإسلام والشريعة، وهذه الآية يكفي ما فيها من تقرير عدم الإكراه على الدين الإسلامي لمن كان منتسباً إلى دين نبي قبله، فأما أن تكون حامية للملحدين والمرتدين ونحوهم من ناقضي العهد فلا ولا كرامة... فحرية الاعتقاد في الدين الإسلامي لأهل الكتاب ممن ينتسبون إلى دين نبي، وإن كانوا على خلاف دين نبيهم لما أجراه أسلافهم من التحريف؛ لأنهم ليسوا مسؤولين عما لم يعلموه، فأما الزنادقة من كل مذهب ونحلة فقد نص المحققون على عدم قبول توبتهم". حكم المرتد في الإسلام:قال تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة:217. قال ابن جرير: “من يرجع منكم عن دينه دين الإسلام فيمت قبل أن يتوب من كفره فهم الذين حبطت أعمالهم". وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من بدل دينه فاقتلوه)). قال البغوي: “والعمل على هذا عند أهل العلم، أن المسلم إذا ارتدّ عن دينه يقتل". ويعتبر العلماء قتل المرتد نتيجة خيانته للملة الإسلامية التي انخرط في عداد أفرادها، ثم غدرها، فلو ستر كفره لم يتعرض له أحد ولم يشق عن بيضة قلبه كما كان يقع للمنافقين الذين قال فيهم الله: (وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ) البقرة:14، فالعقوبة هي لحماية بيضة الطائفة الإسلامية ممن يكسر وحدتها ويضرّ بها، وليس لمجرد تغير العقيدة الذي لا يصحبه إعلان ردة. إن الإسلام واجه ناساً يدخلون فيه خداعاً ويخرجون منه ضراراً، فهل ينتظرون من دين هو بطبيعته عقيدة قلبية وشريعة اجتماعية أن يقابل هذه المسالك ببلادة؟! كلا، لقد أباح لليهود والنصارى أن يعيشوا إلى جواره في مجتمع واحد، لهم فيه ما للمسلمين وعليهم فيه ما على المسلمين، فلماذا يترك هؤلاء أو أولئك دينهم ويدخلون في الإسلام ثم يخرجون منه؟!وحرية الارتداد هنا معناها الوحيد إعطاء الآخرين حرية الإساءة إلى الإسلام وإهانة عقيدته والاحتيال على شريعته، فهل يقبل هذا منطق سليم؟!إن التنقل بين شتى الأديان ليس أمراً سهلاً ولا ينبغي أن ينظر إليه بقلة اكتراث.إن الارتداد قلما يكون أمراً قلبياً فحسب، ولو كان كذلك ما أحسّ به أحد.إن الارتداد في أغلب صوره ستار نفسي للتمرد على العبادات والتقاليد والشرائع والقوانين، بل على أساس الدولة نفسه وموقفها من خصومها الخارجيين، ولذلك كثيراً ما يرادف الارتداد جريمة الخيانة العظمى، وتكون مقاومته واجباً مقدساً.وأية دولة لا تلام على موقفها الصارم من المرتدين يوم يكون موقفهم طعنة لوجودها.على أن الارتداد في ظلال النظام الإسلامي يمثل شذوذاً منكراً لا يمكن بتة تصور بقائه مع استقرار الأنظمة العامة وتوفير المهابة والنفاذ لها. خامساً: حق التعليم:يتجلى حق الإنسان في التعليم من خلال نقاط كثيرة، منها:1- الترغيب في التعليم:قال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة:122. قال ابن سعدي: “ففي هذا فضيلة العلم خصوصاً الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور". وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين). قال الحافظ: “ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي: يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع، فقد حرم الخير". 2- تخصيص أوقات للمتعلمين:عن أبي وائل قال: كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. 3- تحريم كتمان العلم:قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون) البقرة:159. قال ابن كثير: “هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب من بعد ما بينه الله تعالى لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله". 4- تعليم الأهل:عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لهم أجران) وذكر منهم: (ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران). قال الحافظ: “مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص وفي الأهل بالقياس، إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء". 5- حق النساء في التعليم:عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال فظن أنه لم يُسمع النساء، فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم وبلال يأخذ في طرف ثوبه. قال الحافظ: “نبه بهذا على أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل ليس مختصاً بأهلهن، بل ذلك مندوب للإمام الأعظم ومن ينوب عنه". 6- سؤال المتعلم ومناقشته لشيخه:عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حُوسب عُذِّب)، قالت عائشة: فقلت: أوَليس يقول الله: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً) الانشقاق:8. قالت: فقال: (إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك). سادسا:حق الإنسان في معرفة الحق:من الحقوق المقررة في الإسلام أن كل إنسان له الحق في أن يعرف الحق، فلا يجوز الحيلولة بين الإنسان وبين الوصول إلى الدين الحق، ويجب كسر جميع الحواجز التي تقف أمام دعوة الحق أن تصل إلى كافة الناس، لأن وصول الحق إليهم حق من حقوقهم يجب الدفاع عنه.وقد قرر الإسلام ذلك من نواحي عدة، فمن ذلك:1- تحريم لبس الحق بالباطل:قال تعالى:(وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِل) البقرة:42. قال أبو العالية: “لا تخلطوا الحق بالباطل وأدوا النصيحة لعباد الله في أمر محمد صلى الله عليه وسلم". 2- تحريم كتمان الحق:قال تعالى: (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة:42. قال ابن عباس: (ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمون). قال ابن كثير: “فنهاهم عن الشيئين معاً، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به". قال ابن سعدي: “فنهاهم عن شيئين: عن خلط الحق بالباطل وكتمان الحق، لأن المقصود من أهل الكتب والعلم تمييز الحق وإظهار الحق، ليهتدي بذلك المهتدون ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين، لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته ليميز الحق من الباطل، وليستبين سبيل المجرمين". 3- فتح باب الاجتهاد وأجر المجتهد:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر). قال الشافعي: “يؤجر، ولكنه لا يؤجر على الخطأ، لأن الخطأ في الدين لم يؤمر به أحد، وإنما يؤجر لإرادته الحق الذي أخطأه". ولكن للاجتهاد والمجتهد شروط وأحكام كثيرة ذكرها العلماء في كتب أصول الفقه في مبحث الاجتهاد والمجتهد. 4- شرعية المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة لبيان الحق:قال تعالى: (إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بِهَذَا) يونس:68. قال ابن كثير: “أي: ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان".