كان الحج وما يزال رافدا اقتصاديا مهماً وفرصة اجتماعيةً كبيرة لأهل مكةالمكرمة ، فهو يعد موسماً لتلاقح الأفكار والثقافات التي يكتسبها سكان العاصمة المقدسة من الحجيج وتثري حياتهم ، كاكتساب وتعلم اللغات والتعرف على عادات وتقاليد الشعوب من خلال الاحتكاك مع الحجاج والمعتمرين في مواسم الحج والعمرة ومن خلال العمل في حملاتهم. وعلى مر العصور السابقة احترف أهل مكة وسكانها خدمة الحجيج في مواسم الحج والعمرة عبر العديد من المهن ، ولعل أبرزها مهنة الطوافة والرفادة والسقاية والنقل والإعاشة ، فمكةالمكرمة تعيش على وقع هذه الفريضة منذ أقدم الأزمان، وأهلها ينتظرون الموسم طول العام، بعضهم يجتهد فيه لإكرام ضيوف الرحمن، وبعضهم يسعى ليستفيد من السوق الضخمة التي يفتحها هذا الموسم ، قال تعالى(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ..) الآية . ولكن – مع الأسف - تطور الزمن ودخول بعض الانظمة والقوانين الجديدة حوّل الحج بالنسبة لأهل مكة من موسم روحاني يتقربون فيه بخدمة الحجيج ويجلبون منه منافع تعم كل القاطنين، إلى موسم أعمال وتجارة ومصالح لا يميز فيها الحاضر من الباد ، فلم يعد لأهل مكة اليوم دور يذكر ، ولا وجود في الحج، لأن جهات عديدة دخلت على الساحة، وأفقدت الحج وجهه العائلي والاجتماعي الحميم. ولقد كان معظم أهل مكة ينتظرون قدوم الحاج ليتفانوا في خدمته طلباً للاجر والثواب قبل الأجرة ، خاصة «المطوفين» الذين كانوا يستقبلون الحجاج في بيوتهم ، ويعدون لهم الطعام ، ويرافقونهم في المشاعر وإلى الحرم ، ويلقنونهم التلبية في مسيرة تعبر حارات مكة باتجاه الحرم في مشاهد روحانية افتقدناها اليوم . ففي مكة اليوم ما يقارب 15 ألف مطوف ومطوفة ، ولكن مع الاسف لم يعد لهم الدور الذي كانوا يقومون به في السابق ، فلم يعد المطوف اليوم يلتقي بحجاجه ، بل ولم يعد يراهم البتة ، وأصبحت علاقته بهم علاقة تجارية بحتة بعدما كانت اشبه بعلاقة عائلية حميمة ، وأصبح المطوف «مجرد مدير مكتب»، ويتعامل مع الحجاج وكأنهم أرقام !!. لا تزال عالقة في اذهاننا تلك الصورة الجميلة لذلك المركاز الذي يقيمه المطوف لاستقبال ضيوفه من الحجاج ، ويجتمع معهم في أجواء اسرية ويلبي احتياجاتهم ، ويخلي لهم بيته ويتكفل بإطعامهم وسقايتهم ونقلهم كما انه كان بمثابة الموجه لهم ويتبعونه في كل أمورهم ويتشارك معه جميع أهل الحي أو الحارة في خدمتهم ، ويهنئون المطوف على وصول الحجاج. لم يعد موسم الحج يشكل لأهل مكة تلك الاهمية ولم يعد يعني لهم الكثير، فقد اصبح أغلبهم يخرج إلى الضواحي البعيدة عن الحرم ، وأصبح مركز المدينة عبارة عن أبراج وفنادق تتعامل مع الحجاج على انهم سياح فقط . وبالرغم من ذلك فلا يزال العديد من اهل مكة يحتفظون ببعض عادات الزمن القديم ، ويسعون في خدمة الحجيج.