مع بداية العام الدراسي في العالم العربي ينعقد مؤتمر عربي يطالب بتطوير التعليم فلأكثر من (10) اعوام تزيد او تقل وخبراء التعليم العرب يجتمعون وينقضون وهكذا دواليك، من اجل تطوير التعليم العربي من اجل ان يدخلوا سوق المنافسات التعليمية الدولية التي خرجوا منها. ويحدث اثناء هذه المسيرة لمنتديات ومؤتمرات تطوير التعليم العربي حوارات ومناقشات تطرح العديد من الآراء في قضايا تطوير التعليم العربي، يصاحبها احياناً وقفات واحتجاجات منها السمين ومنها الغث، ومنها البسيط، تعبر احياناً بالموضوعية والعقلانية والعلم، وأحياناً اخرى دون ذلك، تقدم الحقائق القديمة والمزمنة والساطعة في المجال التعليمي العربي بذات السيناريوهات المعادة والمكررة، ومنها الجاد والجديد على الساحة التعليمية، كما تطالعنا الارقام والاحصاءات عن احوال التعليم العربي بالتحليل والتعقيب المنهجي بموضوعية، وفيها الكلام والشعارات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وكل هذا الذي يحدث في المؤتمرات العربية لتطوير التعليم العربي ليس امراً وقتياً أو عارضاً وانما يتكرر في كل مؤتمر دون استثناء، بذات المواقف والردود وبنفس العبارات والألفاظ، ثم ما يلبث ان تتكرر ذات الوقائع أو قريبة منها، والشعب العربي يندهش ويضرب كفاً بكف، ويتساءل الى متى يبقى الحال على ما هو عليه من تكرار المؤتمرات وكثرة الكلام؟. واخيراً سمع الشعب العربي بانعقاد المؤتمر الرابع للمنظمة العربية لضمان جودة التعليم والذي عقد بالقاهرة في (18/1/33) بغية وضع معايير عربية لجودة التعليم في الوطن العربي تصل الى اعلى المستويات الدولية اسوة بتلك الجودة الموجودة في الدول المتقدمة من أجل نهضة وتقدم العالم العربي. وجاءت رسالة المؤتمر شديدة الوضوح تحمل ردود فعل من المشاركين في مناقشات تطوير التعليم العربي في كل مراحله من اجل الانتقال به من الانكفاء على ذاته والخروج الى دائرة المنافسات التعليمية الدولية. فالحديث عن تطوير التعليم يجب الا يكون حديثاً موسمياً يرتبط بمواسم الدراسة الفعلية، فالتعليم أهم وأعز على الأمة العربية لانه يهتم بالانسان العربي في هذه الارض العربية الطيبة، هذا الادراك لأهمية جودة التعليم في حياة الشعوب العربية. لذلك فلن أمل الحديث عن احوال التعليم في جميع مستوياته في البلاد العربية وتكرار التأكيد على أن مستقبل اي وطن يرتبط اساساً بالفهم الصحيح لأهمية جودة التعليم وتأثيره في التنمية البشرية آملاً انني لا أحرث في البحر (كما يقولون). لست اجنح الى المبالغة اذا قلت بكل وضوح اننا اخطأنا الطريق الى تنمية الانسان المبدع والمبتكر لسبب مهم هو ان التعليم بمستوياته في البلاد العربية مازال دون مستوى الحلم الطموح الذي نتطلع اليه من اجل ضمان المكانة اللائقة للامة العربية في عصر العولمة التعليمية بمكوناتها المختلفة والتي تتسارع بخطواتها بمعدلات قياسية غير مسبوقة على طول مسيرة التاريخ الانساني. وبعيداً عن الاستغراق في معدلات التشخيص لأزمة التعليم العربي فان مسؤولية الكلمة تفرض ضرورة الاعتراف باننا ازاء عقبات متشابكة معقدة بدرجة كبيرة لذلك عقدت مؤتمرات ومنتديات عربية منها على سبيل المثال لا الحصر مؤتمر العمل العربي (22) الذي عقد في العاصمة الجزائرية عام 2006 ومؤتمر اتحاد الجامعات العربية الذي عقد في عمان عام 2009 وجاءت رسالة هذين المؤتمرين شديدة الوضوح تحمل ردود فعل من المشاركين في مناقشات تطوير التعليم على جميع مستوياته من أجل الانتقال بالمنظومة التعليمية العربية من الانكفاء على ذاتها الى دائرة الاعتراف بوجودها عربياً ودولياً. لذلك أقول وبكل صدق وموضوعية انه من الصعب بل من المستحيل ان نحقق الحلم وان نرقى الى مستوى الطموح في منظومة تعليمية تطبق معايير الجودة الدولية أو عربية كما تنادي المنظمة العربية لضمان جودة التعليم من خلال مناقشات مؤتمرها الذي عقد بالقاهرة مؤخراً، دون ان تكون هذه المؤتمرات فاعلة، والا فانا نحرث في البحر (كما يقولون) لذلك أعتقد انه ليس بمقدور المشاركين في المؤتمرات السابقة بما فيها بالطبع المؤتمر الرابع للمنظمة العربية لضمان جودة التعليم العربي واللاحقة مثل المؤتمر القادم للشباب العربي الذي تستضيفه مملكة البحرين في الأيام المقبلة بزعم بانهم يملكون حلولاً سحرية وعاجلة في يوم أو يومين لمواجهة المشاكل والازمات التي تواجه التعليم العربي والتي داهمته هبوب وعواصف العولمة.. ان سر الدهشة والتساؤل انه في كل مؤتمر او منتدى للتعليم العربي يتكلم الخبراء وسط هذا الزخم العظيم لمشاكل التعليم العربي ويقول لنا الحكماء ويقدم علماء التعليم بحوثاً وينصح المتخصصون الامناء عن ضرورة تطوير التعليم العربي ومع ذلك يبقى الحال على ما هو عليه بل وتتعمق ازمات التعليم العربي وتعود ذات التصرفات والافعال التقليدية في التعليم العربي الرافضة لما ينادي به مؤتمر القاهرة لتطبيق معايير جودة عربية واذا لم يمكن انتاجها فيجب اعتماد معايير الجودة لمنظمة اليونسكو. ان المتابع لمثل هذه المؤتمرات نجد انها مؤتمرات .. مؤتمرات.. ولا حصاد بل اقول بكل صراحة ان بحوثها اندثرت وامل الا تندثر مناقشات وبحوث مؤتمر القاهرة الرابع للمنظمة العربية لضمان جودة التعليم العربي.. ودخلت نتائج المناقشات وبحوث ومقترحات هذه المؤتمرات عالم الادارة البيروقراطية التي تسيطر على مدخلات التعليم بجميع مستوياته وان المنظومة التعليمية على جميع مراحلها لم تتقدم قيد أنمله.. لان المشاركين في هذه المؤتمرات العربية انما يجتمعون وينفضون لانهم يعلمون جميعاً انه على الرغم من البحوث والمخططات التي وقدمت بلغة عبقرية فانه سوف تظل حبراً على ورق ثم تدخل في الأدراج العريقة. اذن هل ننجح في اطار استخدام مؤتمرات ثم مؤتمرات.. ثم مؤتمرات متتالية لمنظمات عربية مثل منظمة اتحاد الجامعات العربية، منظمة العمل العربية، المنظمة العربية لضمان جودة التعليم بحصاد نقطة البداية؟ في اعتقادي تبدأ من جدية الرغبة في ان ضمان جودة التعليم العربي في كل مراحله مشروعاً عربياً قومياً ينبغي النظر اليه والتعامل معه برؤية استراتيجية ترتب معايير وخصائص على نحو صحيح ودقيق يمكن منظومة التعليم العربي من مواكبة الطفرة العلمية والمعرفية والتكنولوجية التي فجرتها العولمة. مما سبق فانه كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن مدخل جديد وكما عكسه عنوان القاهرة عن مدخل جديد لتطوير التعليم في البلاد العربية وهو مدخل ادارة الجودة الشاملة والذي يتضمن ثلاثة مفاهيم اساسية وهي : الجودة، نظام الجودة، ادارة الجودة.. فما هي الجودة؟ انها تعني طبقاً للتعريف القياسي الدولي تكامل الملامح والخصائص لمنتج او خدمة بصورة تمكنه من تلبية احتياجات ومتطلبات محددة او معروفة ضمناً اما نظام الجودة فهو بالتحديد الهيكل التنظيمي والمسؤوليات والاجراءات والعمليات والموارد اللازمة لادارة الجودة. في اطار هذا المفهوم نتساءل ما هي ادارة الجودة لتطوير التعليم العربي؟ يعتبر هذا المدخل من الاتجاهات الحديثة في تطوير التعليم بمسؤولياته المتتالية في البلاد العربية وتقوم فلسفته على مجموعة من المبادىء التي يمكن للمنظومة التعليمية أن تتنباها من اجل الوصول الى افضل اداء ممكن ومن احدث المواصفات المطلوبة لتطوير التعليم العربي والنهوض به هي المواصفات الدولية ايزو (9000). وبكل اختصار يمكن ان نجمل مبادىء ادارة الجودة الشاملة في المنظومة التعليمية العربية والنهوض بها: 1 ان المقرر الدراسي في كل المراحل التعليمية يجب ان يشمل فقط الاساسيات دون التدخل في التفاصيل لتقليل الحشو واعطاء الطالب مساحة من الوقت والجهد للنشاطات الاخرى، علماً بان التفاصيل ذاتها ستتقادم مع تخرج الطالب بحكم السرعة الفائقة لتوالد وتطور العلوم. 2 بناء على (1) تشجيع الطالب على القراءة والتلخيص امر ضروري وهام حتى يتعلم الطالب الاعتماد على النفس في ملاحقة الجديد من العلوم. 3 تعليم الطالب اسس كتابة التقارير واساليب البحث لتقصي الحقائق وكيفية عرض النتائج تحريرياً وشفوياً في مواجهة زملائه. 4 تعليم الطالب مهارة حل المواقف والمشاكل والازمات والتحليل والربط والاستنساخ واعطائه فرصة التأمل والتحليل والاجتهاد الشخصي للوصول الى الحقيقة مع التأكيد على تعليم اللغات الاجنبية، وتعليم تكنولوجيا الحاسب الآلي للمعلومات والانترنت كمقرر دراسي وكوسيلة تعليمية داخل المناهج الاخرى مع ضرورة التأكيد على دور التربية الرياضية والهوايات في اعداد الشخصية الواعدة للطالب في مراحل التعليم. واخيراً فان هذه المبادىء لن تتحقق الا اذا أوجدنا استراتيجية تطوير التعليم في البلاد العربية على كل مستوياته وذلك بغرض الاقتراب بها من المستويات العالمية المتعارف عليها في تطبيق الجودة في مناهجها، من هنا يجب التركيز على جودة التعليم بكل مستوياته في البلاد العربية ولكني مع هذا الأمل اتساءل هل يظل الحال طويلاً على ما هو عليه رغم المؤتمرات المتتالية وكثرة الكلام في مناقشاتها .. وكثرة السؤال بين المشاركين.. وبمعنى آخر فماذا بعد هذا المؤتمر؟.