اما في دولة اليمن فنجد ان المجاعة تدق ابواب اليمنيين والخطر يطوف من حولهم حرب ناشبة واخرى تقرع طبولها وتفجيرات وخوف حتى اصبح كل فرد يخاف من الاخر، الماشي يخاف الجالس والعكس وكل مقابل يخاف من يقابله , فيما تذوي معيشة اليمنيين وتتهاوى ويوشك عقد السلام الاجتماعي على الانفراط , خصوصا مع تفشي الجوع وشيوع الفوضى الامنية. وصار بعضهم يستحضر سنوات المجاعات الكبرى الغابرة ويرى البعض نذير تكرارها وباستثناء خمس السكان المستأثر بالجزء الاعظم من الثروة , يبدو ان الشعب اليمني برمته متجه الى ما دون خط فقر الغذاء ( وفق مؤشرات الفقر )..... فلقد درج اليمنيون منذ القدم على اتخاذ الاعالي وشواهق الجبال مكانا لسكنهم تحصناً من اعداء مفترضين , غير ان حصونهم وقلاعهم تبدو غير قادرة على صد الفقر. وهو عدو ما انفك يتمدد بمتوالية هندسية توازيا مع نضوب حاد في الموارد , واتساع نطاق الاضطرابات...كما ان التراكم الوحيد المعروف هو تراكم في الازمات والفساد. فقد دفعت بعض السكان الضائقة الاقتصادية الى التقشف في الحاجات الرئيسية مثل الحليب والرز والسكر وقالوا نفضل ان نتناول وجبة غير مكتملة من ان نصحو غداً لا نجد ما نأكله طالما بقيت المتاريس موزعة على فرقاء يدمرون البلاد من أجل كعكة السلطة وهناك من اخرجوا أطفالهم من المدارس وأدخلوهم الى سوق العمل لمساعدة الأهل على البقاء وهناك من تخلى عن احدى وجبات الطعام اليومية الى جانب انكماش سوق العمل وتسريح آلاف العمال واغلاق مصانع ومنشآت وأصبح الاقتصاد اليمني يعاني من تدهور واضمحلال حتى ان الحركات السياسية وأطرافها صارت تتخذ من تجويع الناس وترويعهم ورقة سياسية في الصراع وتكررت التحذيرات من الوضع الانساني في الدولة الأشد فقرا في دول الشرق الأوسط .... ومع ارتفاع أصوات طبول الحرب واستمرار المعارك في غير منطقة تتسع معاناة الفقراء وتزداد أعدادهم خصوصا مع تصاعد نسبة البطالة وانعدام فرص العمل مترافقا مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات خاصة في مناطق القتال مع ظهور تنظيمات للقاعدة تتراوح أكثر من 100 ألف فضلا عن حوالي 50 ألفاً نزحوا من مناطق الحروب وبحسب دراسة حديثة تناولت الأسعار وارتفاعها في ظل الاضطرابات التي تشهدها البلاد حصل تفاوت كبير بين أسعار السلع بين محافظات الاضطراب وغيرها واكدت الدراسة التي أجراها مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي باليمن في 6 محافظات وشملت 35 سلعة وجود تفاوت كبير في الأسعار بين محافظة وأخرى وبلغت درجتهم 166% في أسعار الرز و50% في الدقيق و48% في السكر و25% في الحليب والشاي و23% في أسعار البقوليات ولفتت الدراسة وجود تفاوت في سعر السلع على مستوى المدينة الواحدة وزادت الفوضى في الأسعار اضافة الى غياب الرقابة الرسمية او غيرها وعادت اسر في عدن الى استخدام أنواع من السمك الرخيص النافرة منه في الماضي ولم يعد صيد السمك بالصنارة مجرد هواية بل صار مطلبا ملحا لغرض توفير الغذاء الى جانب زيادة اعداد الاسر المتسولة وانتشار جرائم السطو والنهب ومعلوم ان الحرب تشكل موردا لكثيرين من افراد القبائل الذين يجدون فيها مناسبة للسلب والنهب........ اما الفقر في لبنان فاخذ طريقه للاعتراف بانه وظيفة اجتماعية وأصبحت معالجة البؤس والفقر تسابق الانفجار وكلمات الفقر في لبنان لم يتعرف عليها الكثير فلم تكن الحاجة الى الطعام والشراب والمسكن والملبس هما الفقر بل تفشي الامراض وكثرة الذل وعدم المبالاة وقلة الاهتمام وزيادة اعداد الفقراء يوماً بعد يوم وارتفاع الاسعار والخدمات هو ما يعنيه الفقر في لبنان ولم يعد الكلام عن الفقر محظورا بتحليل الخبراء والسياسيين انما تقدم الارقام دليلا واضحا على المشكلة اذ تحددت نسبة السكان التي تعيش تحت خط الفقر بنسبة 28% وهذا الاحصاء عام 2004 اي ان هذه النسبة يمكن ان تكون غير دقيقة في ظل التاجيل المستمر لمشروع الاحصاء ويتوقع الخبراء ان تكون نسب الفقر اعلى بكثير اليوم بعد سنوات من العجز الاقتصادي ما يعني ان الفقر اصبح هو القاعدة وليس الاستثناء ويكفي التدقيق في سجلات الجمعيات الاهلية لملاحظة الزيادة العالية في طلب المعونات العينية والمالية خلال السنوات الاخيرة حيث سجلت احدى الجمعيات ذات الطابع الديني زيادة عدد الفقراء من 200 الف شخص عام 2007 الى 950 الفاً عام 2011 فهذا يبدو على توسع رقعة الفقر دون وجود أي تدابير وقائية وحماية هذه الفئات المهمشة فهناك بلبنان مسنون ينامون على الأرصفة ويحتمون بالجسور خلال تساقط الامطار وهناك من الأطفال من ينغمس بين النفايات بحثا عن لقمة العيش وهناك ملفات اجتماعية كثيرة تحتاج للبحث ومنها الفقر الذي بات أمراً محكوما بالنسبة للبنان والانفجار الاجتماعي لم يعد بعيدا عن سقوط الحواجز المانعة لزيادة مشكلة الفقر والجواب كان يحضر في أروقة السرايا الحكومية والجهود الوزارية تتسابق لاعلان برنامج يحتضن اكثر العائلات فقرا في بادرة يمكن ان تمتص الغضب الشعبي على الأوضاع الاقتصادية فجاءت وزارة الشئون الاجتماعية منذ أيام باطلاق البرنامج الوطني لدعم الاسر الفقيرة تحت شعار الدولة (الدولة حدك أنت وين) اي بمعنى ان المواطن يحتاج التقرب من الدولة لتستطيع مساعدته وان البرنامج خطوة على طريق الاعتراف بالوظيفة الاجتماعية للدولة وهي تسعى إلى الأخذ بيد العائلات الاكثر فقرا فهل يمكن لبرنامج واحد ان يحل أزمة الفقر في لبنان.