لاشك أن الاقتصاد يمثل عصب الحياة لكل أمة فلا حياة لمن يتدهور اقتصاده، لأن تدهور الاقتصاد يؤدي إلى ضعف وإخلال في الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى ينهض العرب يجب توفر الضمير الحي والمخلص والاستفادة بحق من عناصر الاقتصاد المكونة له وتوظيف هذه العناصر مجتمعة من أجل انهاض الأمة من كبوتها والسير نحو الميدان الفسيح لبناء اقتصاد قوي وبتفعيل العمل الاستراتيجي المخطط له ضمن منظور يتصف بالشمولية والعقلانية والسيطرة بحكمة على الموارد المتاحة والمواد الخام التي تصدر إلى الدول الصناعية ومن ثم تعاد إلى مصدرها بعد تصنيعها بمبالغ تفوق مبالغ التصدير بالمئات، ولن يكون هناك إنماء اقتصادي قوي وثابت في الدول غير المتقدمة إلا عندما تمارس هذه الدول مبدأ استغلال مواردها الاقتصادية على الأرض وتنمية الإنسان في التعليم الواعي ومعالجة مواقع الخلل والمعوقات والابحار إلى أساليب التحديث بروح العصر والتخطيط المتقن للمستقبل والاستعداد للعمل ضمن عملية الرغبة الوطنية التي يدفعها مفهوم البقاء للأصلح ولا بقاء للضعفاء وعديمي الطموح لأن الانسان اليوم يعيش عصر التحديات والتحولات العالمية مما يستدعي تشكيل أسباب المناعة من الانهيار والذوبان في عصر القوة المادية المسيطرة والمهيمنة وحتى نبث هذه العناصر الهامة إلى واقع حسب نموذج الرغبة في الإنجاز وامتلاك سبل النهوض فإني أرى ضرورة وضع صيغ جديدة نحو توفير سبل التقدم وانبلاج المساهمة الحضارية الفاعلة وعدم العزلة والانغلاق في هلامية العدمية العاجزة عن المساهمة الحضارية إذ إن منطق التنمية يستلزم استخدام سبل الاحاطة بماهية التخصص المتقن بهدف الوصول إلى تكامل اقتصادي يفرض نفسه على الساحة الدولية في عصر العولمة المرتبطة بالربح والمصالح الاقتصادية للدول الصناعية والتي حددت ضمن منظمة التجارة العالمية (الجات) أسلوبها الجديد الذي يستهدف الاحتواء والسيطرة والضم والاستفادة من موارد الدول الأخرى بشكل يحقق الربحية على حساب الدول الفقيرة وتبقى الفقيرة على فقرها مع تناسب طردي في زيادة قوة ومتانة اقتصاد الدول الغنية مع إذابة خصوصية الدول الفقيرة حسب مفهوم نظام العولمة، المستهدف في الدرجة الأولى وحدة القرار الاقتصادي ومن ثم السيطرة على الجوانب الأخرى في حياة ومقدرات الشعوب المغلوبة على أمرها والقضاء على مقومات النهوض الحضاري والدخول في ميدان التبعية والتقليد وتحول الإنسان المغلوب من منتج إلى مستهلك لا يملك حتى حق الاحتفاظ بالهوية وخصوصية الشخصية الموروثة عبر مسارها التاريخي ضمن مكونات الأبعاد المعرفية والحضارية الاستنباط والاستنتاج والرغبة في الانجاز وطرح برامج التهميش والاستلاب من أجل سيادة الحضارة المادية المعاصرة عن غيرها ويذوب الصراع العالمي ويصبح النظام العالمي محتكراً إن وحده فما دور العرب في ظل هذا الخطر القادم (العولمة)؟. إن دورهم في مقاومة هذا البعبع في ظني هو رسم خطة موحدة نحو تشكيل وحدة التكامل الاقتصادي العربي المعتمد على الذات والموارد الاقتصادية المتوفرة حتى نشكل الندية القوية مع الدول الأخرى ونصبح قطباً من أقطاب المنافسة وذلك ضمن أي صيغة من الصيغ الموصلة إلى تحقيق الأهداف والمرامي المخطط لها حسب استراتيجية تحكمها العقلانية والشجاعة العلمية وبحجم التحديات الحالية.