ظللت سحائب الحزن داخلي ، واكتست أوراقي البيضاء ثوب الفجيعة الأسود بعد ورود رسالة عبر هاتفي المحمول تحمل نبأ رحيل الأمير نايف بن عبدالعزيز إلى الدار الآخرة في الخارج بعد رحلة من الكفاح والنجاح والإنجازات ، مواصلاً مسيرته القيادية والأمنية والإنسانية بكفاءة واقتدار بالغين. نعم .. إنه نايف الأمن والأمان .. نايف الإنسانية والنبل والكرم .. اسم يكتبه التاريخ بمداد من ذهب في سجلات أمن الوطن وأمانه.. ومحاربة المخدرات .. ومواجهة الإرهاب .. اسم يكتبه التاريخ ليخلد ذكره للأجيال القادمة .. شخصية استثنائية جمعت في داخلها القوة والصرامة والإنسانية ، فهو رجل الدولة والأمن والفكر والثقافة والأدب ، وهو صاحب الحملات الإنسانية ، الذي تشهد له عقود الزمان بالنجاح في استتباب الأمن ، ذلك عندما تصدى بقوة واقتدار لكل محاولات ضرب الأمن محلياً أو عالمياً .. إنه صاحب السيرة الحافلة بالخبرات والتجارب الكبيرة .. بفكره وحسن إدارته تجاوزت المملكة المخاطر ، ونجحت في التعامل مع الملفات الأكثر تعقيداً ، والتي لازالت دول عظمى تحاول حلها ، ومن أبرز ذلك ملف الإرهاب ، ومعالجته أمنياً وفكرياً فضلاً عن نجاحه في إدارة ملف الحج والحفاظ على أمن الحجيج ، مع الحرص على راحة ضيوف الرحمن ، وهندسة اتفاقيات الحدود مع دول الجوار. لم تشغله جسامة مهامه عن الجوانب الإنسانية والثقافية والفكرية ، فله فيها بصمات واضحة على جدار الفكر ورقي المعرفة .. ويظل كرسي الأمير نايف للدراسات الإسلامية والعربية في معهد بلدان آسيا وإفريقيا بجامعة موسكو الحكومية في دولة روسيا الاتحادية العظمى ( كأحد أعماله )، والذي يرعاه ويدعمه منذ أكثر من عقدين من الزمن خير شاهد على مواقفه النبيلة الإسلامية ، ويظل هذا الكرسي غرة في جبين تاريخ نشر الثقافة الإسلامية والعربية في دول الاتحاد السوفيتي ، وهذه شهادة المسؤولين في دولة روسيا الاتحادية ، والتي أدلوا بها خلال حوارات صحفية سبق وأن أجريتها معهم إبان عملي مراسلاً لصحيفة “الرياض" في أراضي روسيا الاتحادية ؛ إذ يقفون لهذا العمل الكبير وصاحبه إجلالاً وتقديراً واحتراماً. نعم إن للموت هيبة فاجعة .. سيما عندما تفقد الأمة والوطن رجلاً من رجالاتها ونبيلاً من نبلائها ، قدم لدينه ثم وطنه من نفسه ونفيسه ما يسجل بمداد من نور في صفحاته المضيئة ، رجل لن ينساه تاريخنا الحافل برجاله الأفذاذ .. ولن ينسى علو همته ، وسمو طموحه الوطني ، ومنجزاته العديدة ، خاصة وأن الوطن قد فقده في ظرف حرج ، تواجه فيه منطقتنا العربية تحديات صعبة ، ولكنه الأجل المحتوم ، والقدر المكتوب. رحم الله صانع الأمن والأمان في بلاد الحرمين الشريفين ، والعنوان الأبرز للطموح والاجتهاد والإخلاص ، سائلين الله أن يغفر له ويمنحه من رحمته وعطفه ونوره ما يسعده في مثواه ، وأن يسكنه فسيح جناته الواسعة ، ويعطيه بقدر ما أعطى في رحلة معنونة بعنوان بأمن هذا الوطن وأمانه .. إنا لله وإنا إليه راجعون.