حث الدكتور مشاري النعيم المشرف على مركز التراث العمراني الوطني المكاتب الاستشارية بالمبادرة واستغلال الفرص المتاحة حالياً في مجال التراث العمراني، من خلال تكوين فريق هندسي واستشاري مميز ومتخصص، موضحاً أن الكيف وليس الكم وكبر اسم المكتب هو الأساس في تقييم عمل المكاتب الاستشارية الكبيرة والصغيرة منها. وخلال ورشة العمل التي نظمها مركز التراث العمراني الوطني بالهيئة العامة للسياحة والآثار تحت عنوان (تأهيل الاستشاريين في مجال التراث العمراني)، بقاعة بريدة في فندق انتركونتيننتال الرياض الاربعاء الماضي، وحضرها عدد كبير من مسؤولي هيئة السياحة والمكاتب الاستشارية والمهندسون والمتخصصون في مجال التراث العمراني، أكد الدكتور النعيم على أن هذه الورشة تأتي في إطار سعي الهيئة ممثلة في مركز التراث العمراني الوطني إلى تطوير العمل في مجال التراث العمراني ورفده بالكوادر المؤهلة والمتخصصة من خلال دعم الاستشاريين العاملين في هذا المجال وتأهيلهم وتفعيل دورهم في التنمية الشاملة، حيث تهدف الهيئة إلى إشراك المجتمع المحلي في برامج التنمية السياحية المستدامة من خلال إيجاد فرص عمل مناسبة، ومنها البناء بالمواد التقليدية في القرى التراثية التي ستسهم في تشجيع الاستثمار ورفع المستوى المعيشي لفئات المجتمع، ومن بينهم الشباب إضافة إلى تطوير العمل الهندسي في مجال التراث العمراني والتخطيط داخل القرى والبلدات التراثية بما لا يؤثر على طابعها العمراني التراثي مع تفعيل دور المكاتب الاستشارية في الحفاظ على التراث العمراني، وتأهيلها للعمل في المباني التراثية. وأوضح النعيم أن هناك عملاً متسارع ومتزايداً في مجال التراث العمراني ومشاريع مستقبلية ومميزة في هذا المجال، متمنياً عودة الحوار حول هوية العمارة بالمملكة من جديد، مشيراً إلى أن هناك نقصاً شديداً في الاستشاريين والمتخصصين في مجال التراث العمراني على مستوى مناطق المملكة في ظل وجود ألفي موقع تراث عمراني بالمملكة تحتاج للتأهيل والتطوير، موضحاً أن الورشة ركزت على أهمية الحوار بين المعماريين وما يحتاجه سوق العمارة بالمملكة وكيفية الارتقاء بالمكاتب الهندسية وفق معايير وضوابط معينة، معتبراً المشاريع المميزة في التراث العمراني بصمة للمعماريين في العالم بجانب كونها قيمة اقتصادية وثقافية ومهنية، ولفت النعيم إلى أن مركز التراث العمراني ينفذ مشروع سجل وطني للتراث من خلال قانون سيصدر قريباً، بالإضافة إلى ما صدر من قرارات أخيرة من عدة جهات حكومية لحماية التراث. وناقشت ورشة العمل العديد من الأمور المتعلقة بالتراث، كان من أبرزها: تأهيل المكاتب الاستشارية للعمل في المباني التراثية، وإشراك المجتمع المحلي في عملية التنمية وتطوير مواقع التراث العمراني، والمراجعة الشاملة للمكاتب الاستشارية في مجال التراث العمراني واحتياجاتها، والدعم المؤسسي لقطاع المقاولات ودور الهيئة، والتدريب والتأهيل للاستشاريين العاملين في مجال التراث العمراني، وتحديد العوائق التي تقف أمام تطوير المكاتب الاستشارية للعمل في مجال التراث العمراني كمحدودية الكوادر المتخصصة، والمعايير الفنية للعمل في المباني التراثية، وتجارب الاستشاريين في الدراسات لمشاريع التراث العمراني. وقد استعرض المهندس صالح العمرو رئيس الهيئة السعودية للمهندسين دور الهيئة في تأهيل المكاتب الهندسية في مجال التراث العمراني، وتنظيم العمل الهندسي بجانب الرقي بالمهنة والحفاظ على التراث العمراني، ورفع مستوى المنتج الهندسي، وبناء قواعد معلومات، والعمل مع الهيئة العامة للسياحة والآثار لوضع برامج مشتركة للتأهيل، بينما قدم المهندس محسن القرني مدير عام (المشاريع والتنمية) مشروع التراث العمراني الوطني بهيئة السياحة نماذج من مشاريع الهيئة في تأهيل وتطوير مواقع التراث العمراني، ومنها سبعة مشاريع للقرى التراثية وثمانية مشاريع في مراكز المدن التاريخية، ومثلهم في الأسواق الشعبية، وعشرة مشاريع لتأهيل المباني التاريخية والقصور في عهد الملك عبدالعزيز، مبيناً أن هناك مواقع قابلة للاستثمار ومنها: مبنى القشلة التاريخي بمدينة حائل، وقصر أبو جفان وقصر الفوطة بالرياض، وبلدة الخبراء التراثية بالقصيم، مشيراً إلى أن أهم القضايا في المشاريع التراثية تكمن في ندرة المكاتب الاستشارية الهندسية المتخصصة في مجال التراث العمراني، وإدارة المشاريع الميدانية في هذا المجال وعدم وجود معايير لتأهيلها المكاتب الهندسية في مجال التراث العمراني بجانب الاختلاف الكبير في عطاءات المشاريع التصميمية بين المكاتب وقلة الجودة والتأخر في التنفيذ. وحدد المهندس علي الشعيبي مدير مكتب البيئة معايير تأهيل المكاتب الاستشارية في مجال التراث العمراني من خلال بناء القدرات المحلية، وتأهيل الأفراد والتوافق مع النظام التعليمي لتكوين مخرجات فريق فني مميز، مؤكداً على أن الأمر يحتاج لتكاتف الجهود بين الجامعات وهيئة المهندسين وهيئة السياحة. ومن جانبه تحدث الأسباني ادلفو سانتشيت من مجموعة ترميم التراث العالمية عن مبادئ الترميم موضحاً أن هناك تواصل بينهم وبين هيئة السياحة لتقديم خبرتهم للملكة ذات التاريخ التراثي العظيم، وذكر المهندس صالح قدح مدير مكتب دار صالح للاستشارات الهندسية معايير العمل الاستشاري في القرى التراثية وأهدافها ومن أهمها الإبقاء على قيمها التاريخية والتراثية، مشيداً بالتوجه الجاد من قبل هيئة السياحة بتنفيذ مخططات تطويرية وتنفيذية تشمل بعض البلدات والقرى التراثية ومبانيها التاريخية بما يحمله ذلك من منافع اجتماعية واقتصادية وثقافية وبيئية ومنفعة للمجتمع المحلي وازدهاره وإحياء الذاكرة للموروث الثقافي والتاريخي بما يخدم الأجيال القادمة، ويجعل من هذه المواقع مواقع جذب سياحي. كما عرض المهندس فارس الشمري المدير العام لمكتب الشمري والشومر مشروع تطوير بلدة شقراء، موضحاً أن الهدف من إعداد المخطط العام لوسط شقراء التاريخى هو المحافظة على الطابع المعماري والعمراني التاريخي للمدينة وإبراز قيمها وجمالياتها، وأيضاً تقوية الاقتصاد المحلي بإحياء الوظائف التقليدية بتشجيع الاستثمار والسياحة، فيما ناقش المهندس حمد الشقاوي عضو الأمانة العامة للهيئة السعودية للمهندسين موضوع “العمارة التراثية بين الواقع والمأمول”. يذكر أن الورشة شهدت العديد من النقاشات والمداخلات، وأبدى بعض مسئولي المكاتب الهندسية والاستشارية الصغرى تخوفهم من سيطرة المكاتب الكبرى التي تبتلع فرصهم في هذا المجال، وأشار المهندس صالح قدح إلى أن الكثير من القرى التراثية معرضة حالياً للاندثار، مطالباً باتخاذ قرارات سريعة لحمايتها، وقد خرجت الورشة في نهاية أعمالها بعدد من التوصيات كان من أبرزها: تطوير المكاتب الاستشارية في مجال التراث العمراني وتحسين أدائها، وحصر المكاتب الاستشارية العاملة في مجال التراث العمراني، إلى جانب التعريف بمعايير العمل الاستشاري في القرى والبلدات التراثية، وتحديد نقاط القصور لدى المكاتب الاستشارية العاملة في مجال التراث العمراني.