لم تكن مكة وحدها كاسم سكن القلوب وسبر الأغوار وسر الأعين لكن هواءها القادم من بطحائها زادها في القلوب محبة فلم ينظر إليها كمنطقة قليلة الأمطار جافة لكن نظرة الكثيرين نحوها جاءت من سر ترابها الطاهر الذي سار عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم ناشرا دعوته الإسلامية ليخرج أقواما من ظلام سكن قلوبهم وجهل عاش في عقولهم وظلم لفقير وعبد وضعيف. صور متعددة تبدو كلما جاء ذكر مكة فالكل يهفو نحوها طالبا الرحمة متذللا بين يدي الله جلت قدرته وتحت بابه. ملايين بل بلايين من بني البشر أغنياء وفقراء حكاما ومحكومين ساروا على ترابها داعين ربهم أن يغفر لهم ويرحمهم. هي مكة التي جذبت باسمها قلوبا وبهوائها نفوسا وأنارت بضوء قمرها طرقا مظلمة ينظر اليها الغريب بعشق والقريب برجاء ما من فقير قصدها راجيا حتى غدا غنياً برحمة ربه. وخلال الأيام القليلة الماضية سعدت بالاستماع لكلمات أنيقة وعبارات بليغة عن مكة طرزها عدد من الإخوة المعتمرين الأتراك الذين تشرفت بالالتقاء بهم فحاكوا بألسنتهم الكثير عن مكة وتركز محور حديثهم عن المشاريع الجاري تنفيذها حاليا بمكةالمكرمة والمشاعر المقدسة قائلين بأن مكة هي المدينة الوحيدة في العالم التي لايهدأ بها عمل ففي كل عام يزورها معتمرون أو حجاج نرى أن ما شاهدناه في العام الماضي أصبح اليوم مختلفا. وان كنت قد سعدت بالالتقاء بهؤلاء الإخوة الأتراك فان ما زاد سعادتي هو لقائي بالبروفسور شرف علي تاكلين مدير جامعة الفاتح باسطنبول الذي وان تحدث كثيرا عن جامعة أم القرى وانبهاره بها وبما تضمه من كليات وأقسام فان مبناها الجديد يمثل لوحة جميلة من العمارة الإسلامية التي غابت عن الكثير من المرافق. وبين عبارات الإطراء والمديح التي سمعتها من الكثيرين أدركت أن مكةالمكرمة تستحق أكثر مما قيل ويقال عنها إنها المدينة الوحيدة بالعالم التي عرفت “ عبر العصور المختلفة بأكثر من خمسين اسماً وكنية وعلى هذا فإن أصل تسمية مكة مجهول تقريبا، لكن تعددت الفرضيات حول أصل التسمية، فقيل إنها سميت مكة لأنها تمكّ الجبارين أي تذهب نخوتهم ويقال أيضا إنها سميت مكة لازدحام الناس فيها. يقال إن مكة عرفت بهذا الاسم لأن العرب في الجاهلية كانت تقول بأنه لا يتم حجهم حتى يأتوا الكعبة فيمكون فيها أي يصفّون صفير المكأو، وهو طائر يسكن الحدائق، ويصفقون بأيديهم إذا طافوا حولها. ويرى آخرون أنها سميت بكة لأنه لا يفجر أحد بها أو يعتدي على حرماتها إلا وبكت عنقه. يقول البعض أنها سُميت مكة لأنها كانت مزاراً مقدساً يؤمه الناس من كل الأنحاء للتعبد فيه أما كلمة بك فتعني في اللغة السامية الوادي وقد ورد في بعض الكتابات القديمة مدينة تسمى مكربة، وذهب الباحثون إلى أن هذه المدينة هي مكة. اسم مكة مذكور في القرآن عدة مرات فسميت مكة في سورة الفتح في الآية: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا»،[17] وسميت بكة في سورة آل عمران في: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ»،[18] سميت أم القرى في سورة الأنعام في: «وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا» وسميت أيضا البلد الأمين في سورة التين في:«وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» هذا بالإضافة إلى أسمائها الأخرى مثل البلدة والبيت العتيق والحاطمة وأم زحم وغيرها. ومن الأسماء الأخرى لمكة، أو الجبال والبرية المحيطة بها، هي فران أو برية فران، وهو اسم مألوف في المصادر العربية القديمة وكذلك في العهد القديم تنص التقاليد العربية والإسلامية أن فران المذكورة إنما يُقصد بها الحجاز كله، وأن موقع مكة هو المكان حيث نزل النبي إسماعيل بن إبراهيم وامه هاجر عليهم السلام. يقول ياقوت الحموي إن “فران” كلمة عبرية عُرّبت مع مرور الوقت بفعل التمازج والتفاعل بين العرب واليهود في بعض مواقع شبه الجزيرة العربية ومن الأسماء الأخرى لمكة في التوراة: تل فران، وهو اليوم اسم لتل يقع على تخوم المدينة “