ليس من السهل ونحن بصدد الحديث عن دولة مثل سويسرا والتي تستضيف حالياً بطولة أوروبا 2008م مناصفة مع جارتها النمسا أن نحدد أسباب تألق وتميز هذه الدولة العريقة ذات الطبيعة الخاصة والتي جعلت نجمها يعلو ويتفوق على معظم شقيقاتها من الدول الأوروبية الأخرى من حيث التنظيم المعماري والتفوق الصناعي الهائل والبيئة النقية التي تبدو معها سويسرا كدولة (معقمة) بكل ما تحمله الكلمة من معان، هذا إلى جانب الدقة والانضباط الشديدين في شتى مناحي الحياة وكذا المستوى المادي المرتفع والذي يمثل في حقيقته أكبر مستويات الدخل الفردي على مستوى العالم حيث يبلغ 41 ألف دولار للفرد سنوياً وبنسبة بطالة لا تتجاوز الثلاث في المائة.. كما يبلغ متوسط ساعات عمل الفرد 41.6 ساعة أسبوعياً. كما أن متوسط توقع البقاء على قيد الحياة هناك وفق الإحصاء السويسري 79 للرجال و84 للنساء.. وكذا المستوى الثقافي الرفيع والمتعدد اللغات.. فهي ليست كما يعتقد البعض الدولة المنتجة للشيكولاتة والكوكو كلوك (ساعة الديك) رغم تميز انتاجها عالمياً في هذه السلع إلا أنها تمثل واجهة واحدة فقط من ضمن قائمة طويلة من الصناعات الرفيعة كالتقنيات الدقيقة والساعات العالمية التي تغمر المعمورة وتضبط توقيتها. وللتعرف على المزيد من جوانب الحياة السويسرية والمظاهر الحضارية الراقية التي تعيشها هذه الدولة منفردة.. وكيفية استقبالها بطبيعتها الخلابة النادرة وشعبها الرقيق المضياف للبطولة الأوروبية كان ل(الندوة) هذا اللقاء الذي استضفنا من خلاله القنصل العام السويسري بمحافظة جدة السيد أدريان ايفيكو والذي أبحر معنا طويلاً في الحديث عن ما تكتنزه هذه الدولة الساحرة من جوانب ابداع راقية وتميز حياتي هائل وكانت بداية الانطلاقة معه حول البطولة الأوروبية. البطولة الأوروبية والتجربة السعودية يقول القنصل العام السويسري السيد أدريان ايفيكو إن استضافة سويسرا للبطولة الأوروبية تعد التجربة الأولى في تاريخها والتي تستضيف فيها بطولة ضخمة مثل هذه البطولة بالإضافة إلى الأعداد الغفيرة من المشجعين والمعجبين كما أن هذه البطولة مناصفة مع النمسا والتي تدور فعالياتها في فينا.. وحيال ذلك كان من الطبيعي الاستفادة من التجارب السعودية في استضافتها لملايين الحجاج عند استقبالنا لتلك الحشود الهائلة والغفيرة من المشجعين والمعجبين الذين وفدوا إلى سويسرا في أوقات متقاربة ويتحركون في وقت واحد. ولم تكن مسألة التنظيم بالأمر اليسير بل بذلت سويسرا جهوداً ضخمة لتأمين إعاشة الآلاف من القادمين لمتابعة المباريات وفعاليات البطولة. أعباء إضافية لراحة الزوار وحول الاستعدادات والتجهيزات أكد القنصل العام السيد أدريان أنه تم تجهيز شاشات ضخمة لإتاحة الفرصة لجميع الزائرين لمشاهدة كافة المباريات. ومن أهمها تلك التي أقيمت ببحيرة جنيف. فكما هو معروف ليست هناك أماكن في المدرجات لهم جميعاً ولا شك أن في ذلك عبئاً إضافياً لأن التنظيم أيضاً لن يشمل جماهير الملاعب فقط بل كافة زوار سويسرا من مختلف الاتجاهات خاصة وأن هذه البطولة تتزامن مع بداية فصل الصيف وتواجد العديد من رجال الأعمال والأسر القادمين من دول العالم ومن بينهم بالطبع الأسر السعودية التي تعيش الاستمتاع بالطبيعة السويسرية النادرة والخلابة وهو ما جعلها مقصداً فريداً ولتسلق الجبال أيضاً والتزلج على الجليد. في الابتسامة الحلول ويتطلع السيد أدريان إلى فوز بلاده متمنياً حصولها على الموقع المتميز الذي يليق بها على الرغم من المسؤولية الكبرى التي ألقيت على عاتقها ونتيجة تحملها التنظيم المشترك مع النمسا للبطولة الأوروبية 2008م، وخاصة أيضاً أنها مقصد للعديد من الرياضيين العالميين الذين يعيشون فيها من أمثال مايكل شوماخر بطل العالم في سباق الفورمولا (1) لسبع مرات وغيره.. ويضيف السيد ادريان قائلاً: لعل ما يهم سويسرا هو خروج البطولة بشكل يليق بإمكانيات هذه الدولة الحريصة على التنظيم الرائع والانضباط الدقيق وإرضاء الضيوف والترحيب بالزوار بواسطة ما نطلق عليه smile exercise في وجه كل الضيوف لأن في الابتسام دائماً الحل للعديد من مشاكل العنف والقسوة.. ولعلنا تعلمنا من التجارب السعودية الخاصة باستضافتها للملايين من الحجاج في زمان واحد ووقت واحد وهذا في حد ذاته ليس بالأمر السهل ولا بالهين لأن التحكم في مشاعر هذه الجماهير الغفيرة والحشود الهائلة أمر شبه مستحيل لأننا نواجه أفراداً بل جماعات منظمة من المشجعين خرجت من بلادها معاً ووراء فرقها.. وكما أسلفت فلن تكون هناك فرصة لكل قادم إلى بلادنا لرؤية المباريات في الملاعب وهذا ما سوف يجعل المسؤولية مضاعفة وما يجعل اللجنة المنظمة أكثر حرصاً وأكبر مسؤولية لأن التنظيم سيشمل كافة أرجاء البلاد وعبر الميادين العامة والشاشات العملاقة التي سيتحلق المشجعين من كل الجنسيات حولها.. وأتمنى أن ننجح في إخراج البطولة بشكل لائق من كافة النواحي وخاصة الأمنية والاجتماعية.. وعلى الرغم من وجود بنية تحتية رائعة ومتكاملة لدينا إلا أن التعامل مع هذا الكم غير المسبوق لنا خاصة وأن عدد سكان سويسرا لا يتعدى الثمانية ملايين نسمة وهذا جعل من التعامل مع الأعداد الكبيرة مسألة جديدة ولم يتم اختيارها من قبل على الرغم أيضاً من أن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في سويسرا إلى جانب بعض الألعاب الأخرى مثل السلة والتزلج والتنس والرجبي والكرة الطائرة.. وأتوقع دائماً لسويسرا الأفضل رغم شدة التنافس وسأتابع بعض المباريات خلال تواجدي هنا من خلال النقل التلفزيوني وربما احتفلنا في جدة بالبطل. أجمل بسمة لضيوفنا وأشار القنصل العام السويسري السيد ادريان ايفيكو في حديثه إلى أن الهيئات السياحية السويسرية هي المسؤولة عن الترويج لزيادة أعداد الزائرين خلال فترة عقد البطولة الأوروبية وبعدها موضحاً أن الدوائر السياحية تلك ومنذ وقت طويل قامت بالإعداد لخطط طموحة من أجل جذب أكبر عدد ممكن من الزائرين كما قامت بإعداد فرق ترحيبية متخصصة كان هدفها الأول الترحيب بالضيوف من كافة أنحاء العالم سواء في محطات القطارات أو في المطارات ومراكز الشرطة والفنادق وفي كافة المصالح والإدارات الخدمية التي من المقرر تعاملها مع هذه الحشود الغفيرة.. مؤكداً أن هذه الفرق المتخصصة تدربت على تصدير أجمل بسمة سويسرية لإفشاء الحب والاحترام المتبادل مع الضيوف. برامج خاصة للسعوديين وأضاف السيد أدريان قائلاً: لقد قامت الهيئات السياحية السويسرية بعمل حملات ترويحية رغم بداية بطولة أوروبا قبل بداية العطلات السعودية بقليل ولكن هناك العديد من المسابقات التي نظمتها هيئة السياحة السويسرية خارج سويسرا وفي العديد من دول العالم وجعلت الفائزين يحصلون على تذاكر طيران لمشاهدة المباريات وهناك شركات تنظم سفر المشجعين السعوديين والعائلات وفق برامج سواء خلال فترة بطولة أوروبا أو بعدها وهناك الآن حملات سياحية وعروض لقضاء شهر العسل وفصل الصيف للعائلات السعودية وكذلك الخليجية إضافة للعديد من برامج الترفيه والسهر في برامج ليلية في العديد من الفنادق وهي برامج متواصلة قبل وبعد بطولة أوروبا لأن في سويسرا أيضاً عروضاً قريبة المنال حتى في شهر رمضان هناك تسهيل كبير للسعوديين للسفر لسويسرا فإذا كان لدى المسافر السعودي فيزا (تأشيرة) شنجن سابقة فسيصبح بإمكانه السفر دون أي مشاكل أما إذا لم يكن لديه شنجن فيزا فلن يستغرق استخراج التأشيرة يوماً واحداً فقط أو يومين على الأكثر وهناك عرض خاص لبطولة أوروبا فإذا كان المسافر سيحجز لمتابعة مباريات محددة في كل من النمسا وسويسرا فهناك تأشيرة صالحة لمتابعة بطولة أوروبا فقط وتنتهي مع نهاية البطولة. والسعوديون ليسوا في حاجة لتأشيرة سويسرا إذا كان لديهم تأشيرة شنجن كما قلت ولعل أهم ما يحتاجه المواطن السعودي كسائح للحصول على التأشيرة هو صورة الهوية واستكمال النموذج المجهز وعليه فقط توضيح عنوانه في سويسرا وخطته خلال اجازته ومن ذلك مثلاً حجز الفندق وهي أمور سهلة جداً لأنه من الأهمية بمكان التأكد من وجود مبالغ مالية لدى المسافر للانفاق منها وهي اجراءات ثابتة ومطبقة مع جميع دول العالم تقريباً إضافة لشهادة صحية وهي مستندات سهلة جداً ولا يشوبها أي تعقيدات إضافة لخطاب تعريف من جهة العمل وجميعها اجراءات روتينية. سلوكيات تحفظها الأجيال وحول الجوانب المعيشية والعادات والتقاليد السويسرية أوضح قنصل عام سويسرا بالمملكة قائلاً: سويسرا بلد طبيعي رغم وجود فئة رفيعة المستوى ولكن العادات السويسرية والميزات التي وهبها الله لها كالمناخ والطقس والموقع كبلد في وسط أوروبا يستمتع بالاستقرار السياسي والاجتماعي والديمقراطي ولكن المجتمع السويسري مجتمع الكمال للانضباط الشديد والحرص على الوقت الذي تحترمه كل طبقات الشعب إضافة طبعاً للانضباط والصرامة والتكافل الاجتماعي لاسيما في مجال العمال فهناك نظام يؤمن الدخل المناسب لكل عامل بما يحقق الأمن الاجتماعي وهو نظام جعل نسبة البطالة لا تتعدى 3% فقط كما أن الحكومة تقوم بدعم مالي للعاطلين وتقدم مرتبات مجزية للمحالين على المعاش والمتقاعدين مما يجعل من مستوى حياتهم أمراً جديراً بالشكر والعرفان للنظام السويسري المتطور، كما توجد جهود مستمرة لتشجيع العاطلين للحصول على عمل في الوقت الذي تلتزم فيه الحكومة بالدعم المالي لكل الذين لا يجدون عملاً وهي أمور خفضت كثيراً من نسبة الجريمة ونسبة البطالة لا تتعدى 3% وهي نسب تقترب من السويد وفنلندا ورغم تعرض سويسرا للفيضانات وتلوث جزئي بسبب عوادم السيارات مقارنة بالسنوات الماضية والآن سويسرا تظل رفيعة المستوى بسبب نظام التعليم والشعور أو الاحساس المدني وهو ما يطلق عليه cevic sense وهو عبارة عن احساس الشعب السويسري باحترام القانون والنظام العام للدولة والقدرة الفائقة على التعايش مع النظام وحب العمل والحفاظ على البيئة أصبحت أموراً متوارثة تتوارثها الأجيال جيلاً بعد آخر حتى أصبحت سويسرا بهذا القدر من النظافة والجمال والالتزام وهي صيغة توافقية جعلت من الدولة والمواطنين مسؤولين مسؤولية مشتركة للحفاظ على سويسرا في كل الميادين وهو ما يقدره المواطن السويسري تماماً حتى أصبح عوناً للحكومة ليس فقط بالنسبة للبيئة بل أيضاً في مجال التعليم والثقافة من خلال الأفراد والجماعات ومن ثم الدولة وهذا التداخل التعاوني هو الذي خلق من سويسرا بلداً نظيفاً ومثالاً يحتذى لدى الجميع في العالم ومن هنا يظل سلوك المواطن هو المحك الأول في تفوق المجتمع السويسري. تعاون سياحي كبير وحول التعاون السياحي بين المملكة وسويسرا أوضح القنصل السويسري أن هناك تعاوناً حقيقياً بين المملكة وسويسرا وأن هناك العديد من الاستشارات واللقاءات المتبادلة بين الجانبين السعودي والسويسري للاستفادة المتبادلة ونقل الخبرات من كل بلد للآخر وهناك رغبة مشتركة لتنمية القطاع السويسري السياحي عن طريق التدريب والاستشارات إضافة أيضاً للاستثمارات في هذا القطاع لاسيما الفنادق المتوسطة وليس فقط الفنادق 5 نجوم بل ان التعاون المشترك يهدف لتمويل الفنادق الصغيرة ولتصبح قادرة على تقديم نوعية ممتازة من الخدمات التي لن تقل عن نظيراتها في أي مكان في العالم وهناك تعاون وثيق في هذا المجال لأن هناك نماذج سويسرية للفنادق الصغيرة يمكن للجانب السعودي عمل مثيل لها بل وأفضل منها لأن الطموح السعودي في هذا المجال عريض وعميق بفضل دعم سمو الأمير سلطان بن سلمان الذي يحرص على تحديث وتطوير القطاع السياحي بشكل مؤثر وفعال ليصبح القطاع الفندقي قادر على مقارنة نظيره في أي مكان في العالم. علاقات وثيقة وحول العلاقات بين المملكة وسويسرا قال ادريان: العلاقات مع المملكة جيدة ووثيقة وهناك العديد من السعوديين الذين يدرسون في سويسرا منذ السبعينات والتجارة تزدهر بين البلدين في جميع القطاعات ويزداد عدد السعوديين في سويسرا وكذلك رجال الأعمال والمستثمرين بأعداد كبيرة تزداد عن بعض الدول الأوروبية ومعظمهم يفضلون الإقامة لدينا لأنهم يجدون كل وسائل الترحيب والإقامة الهادئة الآمنة ونحن نرحب بكل السعوديين في بلادنا لأن علاقتنا تتقدم وتزدهر يوماً بعد يوم لاسيما في ظل تنامي المشاعر الطيبة بين البلدين. سويسرا ليست الشيكولاتة والساعات وفي نهاية هذا اللقاء أكد معالي قنصل عام سويسرا بالمملكة السيد أدريان ايفيكو قائلاً: سويسرا ليست فقط منتجاً للشيكولاتة والساعات رغم أن الساعات نشأت صناعتها في بلاك فورست في ألمانيا ثم انتقلت لسويسرا تدريجياً وسويسرا تصنع الشيكولاتة بنوعية راقية ومتطورة ولكن هناك مظاهراً صناعية كثيرة كصناعة الساعات الفخمة والأنيقة وتتمتع سويسرا أيضاً بموقع جغرافي فريد في وسط أوروبا وطبيعة خلابة نادرة والتقنية الرفيعة والزراعة إضافة لتقدم التجارة ونجاحها في تقديم المنتج السويسري بشكل جيد والشيكولاتة منتج رمزي لامتياز الصناعات السويسرية في كل المجالات الزراعية والصناعية. وعن النظام والانضباط قال ايفيكو: يعمل السويسريون كثيراً ولا يميلون لإضاعة الوقت وكل شيء منظم فلن يكون هناك أي مجال لإضاعة الوقت والشعب السويسري دأب على احترام النظام وتقدير الوعود والالتزام بالموعد هو أجمل ما يميز الشعب السويسري الذي ينظر إليه العالم كمجتمع ميكانيكي ولكن الحقيقة أن الالتزام والانضباط أحد أهم سمات المجتمع السويسري الحديث.