قال الله في كتابه الكريم: [الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ] وقال عليه الصلاة والسلام (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ومن هنا فان من الأمور الفطرية التي فطر الله الناس عليها الصحبة والمجالسة فلا بد للمرء في هذه الحياة من جلساء وأصحاب ويستحيل في العادة أن يعيش المرء بمعزل عن الآخرين لا بد أن يتحدث مع الناس ويتحدثون معه يشكو إليهم ويبث لهم همومه وأحزانه ويعلن لهم أسراره وأحواله وليس ذلك لكل الناس لكن لطائفة منهم يكونون قريبين من نفسه ومن الثابت أن الصديق من ضرورات الحياة وطبائع البشر التي جبلوا عليها ومن ظن أنه يستغني عن صديق فظنه خاطئ وكل صديق على مشرب صديقه والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. والصداقة مشكلة معقدة ومعضلة غامضة يرجع تعقيدها وغموضها إلى أن الناس مختلفون في الأجناس والعناصر والغرائز والطباع والمنازع والمشارب والميول والأهواء والعواطف والعقول والنشأة والتعليم وقلما تجد في الناس على كثرتهم شخصين متفقين في جميع الصفات يناسب بعضهم لبعض ليكونوا أصدقاء ولذا اعتبروا الصديق الوفي من أندر الأشياء بل عده بعضهم من المستحيلات فقالوا المستحيلات ثلاثة الغول والعنقاء والخل الوفي. اذ علينا ان نحرص على الجليس الصالح فله آثار عليك من حيث تشعر أو لا تشعر يقول الإمام الأوزاعي رحمه الله (الصاحب للصاحب كالرقعة للثوب إن لم تكن مثله شانته). وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير)(الحديث). ولما سئل رسولنا صلى الله عليه وسلم عن خير الإخوان قال: (خير إخوانكم الذي يذكركم بالله رؤيته ويزيد في علمكم قوله). أيها الشاب قل لي من تصادق أقل لك من أنت فمن صاحبته اليوم سيكون أثره عليك ظاهراً واضحاً في مستقبل أيامك. فاحرص على الصاحب الصادق الصديق الصدوق العاقل حسن الخلق المستقيم واحذر أن يكون فاسقاً أو مبتدعاً وإليك صفات استمسك بها وزن بها أصدقاءك في سائر أحوالك وأطوارك: الأولى: أن يكون الصديق ذا دين واستقامة قال بعض السلف: (اصطف من الإخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب فإنه ردء لك عند حاجتك ويد عند نائبتك وأنس عند وحشتك وزين عند عافيتك). الثانية: أن يكون عاقلاً فإن العقل رأس المال والصديق الأحمق يفسد أكثر مما يصلح ويضر أكثر مما ينفع فكم من صديق أحمق أورد صديقه موارد الهلاك بمشورة في غير مكانها ولذا قيل كم كلمة قالت لصاحبها دعني وقيل إياك وما يعتذر منه وقيل الكلام كالملح في الطعام. الثالثة: أن يكون محمود الفعال مرضي السيرة آمراً بالخير ناهياً عن الشر بعيداً عن مواقع الخصام والخلاف فهذا الصديق يجرك بإذن الله إلى ساحل الأمان ويبعدك عن الغرق فيما يغرق فيه الناس عادة. الرابعة: ألا يكون فاسقاً يقع فيما حرم الله لأن مثل هذا لا تؤمن بوائقه وتكثر خيانته وسرعان ما يتغير بتغير الأهواء والأغراض والمطامع وبالتالي لا يوثق بصدقه وتضر صداقته. الخامسة: ألا يكون مبتدعاً لأن المبتدع خطره عظيم وسرعان ما يحرف من يجالسه إلى البدعة ويجره إلى الانحراف فيسلك طريقاً وعراً قد ينتهي به إلى المهالك ولله در عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث يقول: (عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زين في الرخاء وعدة في البلاء ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرك واستشر في أمرك الذي يخشون الله).