بكل ما تعنيه الكلمات النابضة في حياتنا، والمتضمنة الكثير من الحِكَم والمواعظ والحسنات والأخلاق والدروس.. فإن الحياة الحقيقية المليئة بحب الخير والبذل والعطاء؛ هي العنوان والمعنى المراد والسند المهم الذي يبقى ولا يزول، وتظل آثاره مطلوبة تهواها النفوس.. وتبقى محببة تنشدها العقول كلما بعدت وغربت شمسها، وتلوح تتألم لرحيلها الرؤوس.. ومهما صنع الإنسان في حياته واشتد قلقه وشتاته، فإن رجليه مهما تاه ستدلُّهُ وتقوده إلى ضوء الفانوس.. فمن كان لديه من الحكماء والعقلاء والقادة النبلاء “ كسلطان الخير والوفاء” من الذين يؤجج في نفوسنا ابتعادهم، فإن سيرتهم تبقينا نتلهف لاكتسابها دوما لتُقوِّي إيماننا وتحصِّننا وتحمينا من الهم والعبوس. لقد كان وجوده الأبوي أعظم هدية في حياتنا ومسيرة عطائنا ونجاحاتنا المتواصلة، ورحيله قد أحدث فينا انتكاسة مفاجئة تمثلت في الدلالات والاعتبارات والتعبيرات التي ظهرت على وجوهنا طواعية، ولا يمكن الخروج عن إطارها النفسي الذي يعبر عن المشاعر ببراءة دون سابق إنذار، فإن تأثيرات الخبر الذي أربك الجميع لرحيل الأمير الإنسان سلطان الخير ولي العهد الأمين إلى الرفيق الأعلى، هي شواهد حية على ما تحكيه وتحاكيه الأحاسيس النقية التي أبرمتها المشاعر البريئة الطبيعية لمحبيه. لم يكن الخبر الحزين برحيله رحمة الله عليه مجرد خبر عابر أتى علينا ومن ثم انسحبَ، ولم يكن هبوط الخبر على قلوبنا كاتما إياها من غير انفعال فيه الدمع قد انسكب، بل أفقدنا رحيله معنى الحياة التي كنا نزهو ببقائه بيننا والدا مليئا بحنان الأب، فسيرته العطرة قد امتلأت بالكثير من الأعمال الخيرة التي لا يمكن أن تسطرها الكلمات لما تحمله من كم كبير ومتنوع من القضايا الإنسانية والمشاريع التنموية، والتي لطالما كانت تحكي قصة حياة إنسان ثري بالعطف والرحمة على الضعفاء والمحتاجين، وستبقى تحكي عبر الزمان تاريخه المشرق والمشرف الذي أسسه في حياته ليرتفع معه إلى الملكوت الأعلى بعد وفاته رحمة الله عليه، فلم تهزه متع الحياة الدنيا أن يحقق أهدافه العادلة لأبنائه ووطنه على نهج الإسلام وبالعمل الصالح لوجه الله. فمن يريد أن يستطلع في سيرته ويدخل في أعماق حياته المتواضعة والمحبة للخير، ليبدأ يخط قلمه في كتابة صادقة تعطيه حقه، فإنه سيحتار من أين سيبدأ قبل أن يفكر إلى أي مدى ستتحول كلماته إلى شعر يشدو به سماته وفضائله، بل إلى أين سينتهي به قلمه الذي سيحير ويحوم في فضاء خلقه وأخلاقه، فلقد كان صاحب يد بيضاء وذا خير دائم معطاء، استثمرها بسخاء واضح مما أتاه الباري عز وجل في هذه الأرض الطيبة.. أرض الحرمين وثاني القبلتين التي تتوجه إليها كل يوم صلوات المسلمين عشاء وفجراً وظهراً وعصراً ومغرباًَ.