إن سألت كثيرا من الناس عن غايتهم في هذه الحياة لأجابوك (السعادة ) بلا تردد , وهذا ينطبق على ما يريدونه لأنفسهم أو لمن حولهم على حد سواء. وبغض النظر عن ما تحمله السعادة من معانٍ مختلفة إلا أنها قد لا تتجاوز حد الاستمتاع بقرار ما في أمر ما وإن كان بسيط المنال , فربما مجرد الحصول على ما نريد هو قمة السعادة التي نستشعرها في كثير من المواقف. يقول ريتشارد تمبلر صاحب كتاب قواعد الحياة والعمل وهو من الكتب الأكثر مبيعا في العالم “ إن السعادة هدف مراوغ سوف تضنيك مطاردته ؛ لأن في محاذاته نقيضه وهو البؤس والشقاء , فإن كنت تترجم حياتك في حالتان فقط فهذا يعني أنك في حالة يأس إن لم تكن سعيدا ؛ وهذا ما يسمى تطرفا في تفسير المواقف والمشاعر التي قد تمر بنا في هذه الحياة “. إن حالتي السعادة والشقاء هما حالتين من المشاعر المتأرجحة والتي تنتشي الإنسان في لحظات معينة نتيجة عن المواقف والأشخاص والأزمان , ولكن الحقيقة هو ما يقر في النفس من الرضا والقناعة بمجريات الأمور التي أدت إلى تشكل تلك المشاعر وتلمسها. إذا ًما نبحث عنه ليس السعادة ذلك الإحساس الذي يغمرنا لمجرد لحظات , ما نبحث عنه في حقيقة الأمر هو القناعة التي ترسم الرضا على ملامح حياتنا في مختلف ظروفها. فلسنا بحاجة لشعور زائل ينتابنا من فترة لأخرى بل نحن بحاجة لإحساس يتوسط حياتنا ويعيد لها التوازن دائما بغض النظر عما كان وما سيكون ؛ فالرضا مؤشر سريع يقاس به مدى قدرة الإنسان على تحقيق التكيف في المواقف المختلفة. وليكن الرضا هو مبدؤك الذي تعتنقه لكي تعيش سعيدا ؛ وإن واجهتك الأزمات فهو سلاحك الذي يمدك بالقوة في التصدي لها والتغلب عليها ؛ وهو ما يجعلك أكثر هدوءا وتحملا , وهو ما يكسبك الروية في التفكير , والحنكة في التصرف والتدبير , والصواب في القرار قولا وفعلا. وليكن الرضا هو مصدر السعادة الحقيقي لديك ؛ فالثابت منذ الأزل أنك لا تملك لنفسك أو لغيرك من الأمر شيئاً ؛ وأن مقاليد الأمور بيد الله عز وجل ؛ يدبرها كيف يشاء ؛ فإن كان الرضا منهجك انساقت لك الأمور وإن تعسرت في ظاهرها , وتيسرت لك الأسباب وإن تعسر جوهرها. وأختم مقالي اليوم بحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : “عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا،َ ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ” رواه الترمذي وابن ماجه.