عندما انهيت المرحلة الدراسية “المتوسطة “ بدأت اكتب في الصحف المحلية “عكاظ والندوة”مقالات ليست منتظمة واكتب ايضا في المنزل ما يشبه المذكرات والخواطر واحتفظ بها حتى الآن...وعند دخولي المرحلة الثانوية أتذكر كان اول موضوع كتبته في نادي عكاظ بصحيفة عكاظ...عن موسم الحج وما يقع من بعض سائقي باصات نقل الحجاج “ الأتوبيسات “ من مخالفات وكانوا سعوديين100% من أهل مكةوجدة والطائف والمدينة المنورة. وفي المرحلة “ الثانوية “... ترك أستاذي احمد بيومي ( سوداني ) مدرس الدين - كما كنا نسميه -اثرا قويا في حياتي...وكان شيخا فاضلا متديّناً وأديبا مريبا يحمل صفات المعلم والموجه والوالد الحنون بشخصه وعلمه...وكان محباً لطلبته لا تشعر انك في فصل دراسي...بل مع والدك من استيعابه الشديد والدائم لنا...وترك ذلك اثرا جميلا في نفسي حتى الان... حول اثر العلاقة الجيدة بين المعلم والتلميذ وكيف يجب ان تكون... وليس كما نشاهده ونسمعه عن بعض معلمي ومعلمات وطلاب وطالبات هذا الجيل مع توفر الامكانيات والوسائل والمواصلات وتوفر المادة عكس الماضي... والماضي القريب. وقد اتخذني هذا الاستاذ الفاضل...ابنا له وجدت فيه الاب والمعلم حتى اتذكر... دعاني لمنزله واحتفى بي هو واهل بيته في مسكنه بعمارة الجفالي “ بالغزة “ في البلد بمكة ومن تقديره لي...ولا أنسى ذلك الموقف حيث عرفني على جميع اهل بيته واحدا واحدا وعلى بعض الأكلات والمشروبات السودانية ثم اكرمني وهو المعلم وانا الطالب... بأن نزل معي في المصعد الى باب العمارة وودعني...وربما كانت تلك العمارة وذلك المصعد من اوائل العمائر والمصاعد في مكةالمكرمة وقتها. وفي هذه المرحلة ايضا... تاثرت ايضا بوكيل المدرسة للقسم الادبي الاستاذ عبدالله باحاوي الذي كان يعتبر الكل في الكل نظرا لنشاطه واطلاعه الدائم على احوال الطلاب ومتابعتهم في الفصول وبين الحصص ( الفسحة ) حتى ان شخصيته غطت على مدير المدرسة... وكان يقربني اليه مثل الوالد والمعلم العطوف ويسألني عن أحوال الفصل الذي ادرس فيه ليطمئن على سير الدراسة وسلوك الطلاب فتعلمت منه ( يحفظه الله ) الانضباط والإشراف المباشر على العمل. واذكر في إحدى السنوات وفي أثناء الاختبارات... حيث كانت الاختبارات تعقد في صالة مفتوحة ويعمل لها أرقام جلوس وفي إحدى الصالات تلك جاء الأستاذ عبدالله باحاوي يتابع تلك الصالة ثم نظر الي وقد قلبت الورقة التي أمامي على وجهها اشارة إلى انني انتهيت من الإجابة فجاء الي وقال (ليه ما تجاوب فقلت جاوبت فقال راجع اجابتك... فقلت له راجعت)... ثم سألني عن مستوى الأسئلة وتحدث معي حديث الأب الى ابنه والمعلم الى تلميذه ولازلت أتذكر ذلك الحديث من هذا الأستاذ الفاضل الذي كان محباً لجميع طلابه... والذي استمرت علاقتي به بعد تخرجي من تلك المدرسة والتقيت به في مناسبات واماكن عدة في مكةالمكرمة. ولاني طالب فضولي - اريد ان اعرف كل شيء - كنت اذهب الى المبنى الاخر من المدرسة حيث كان القسم العلمي... فعرفت حينذاك وكيل القسم العلمي استاذي الفاضل.. حسين بانبيله فاعجبت بشخصيته الجادة والتي تصل الى حد الصرامة... حيث كان منضبطا في كل شيء في ذلك القسم العلمي من الثانوية والمبنى بشكل عام... من دخول الطلبة وخروجهم والنظافة وكل ما يتعلق باليوم الدراسي وامور الطلبة والصلاة والمبنى الذي يدرسون فيه وحين انصرافهم. ومن شدة فضولي وحبي لمعرفة الرجال - وانا في ذلك السن - تقدمت اليه وعرفته بنفسي وفعلا وجدت فيه الاستاذ بل الوالد الذي يتشرف أي طالب بمعرفته والاستفادة منه وفتح لي صدره ولم يبخل علي بالتوجيه والنصح...حتى انه عرفني على مكان دكان والده الشيخ “ عبدالله بانبيلة “ في شارع المدعى - السوق المظلل من الأعلى - القريب جدا من المسعى وباب السلام بالحرم المكي الشريف وفعلا تعرفت على والده حتى انني اتذكر قد شربت من يد والده مرة كاسا من العصير لذيذاً... من شراب التوت وكان شرابا لذيذا...ولا اعلم لذته هل بسبب الموقف او لانه فعلا شراب لذيذ...وقد كررت تلك الزيارات من اجل ذلك العصير...واستمرت علاقتي بهذا الاستاذ الذي اتشرف بمعرفته حتى الان وكان اخر لقاء جمعنا زواج ابنه مؤخرا...في احد فنادق محافظة جدة. هؤلاء اساتذتي الذين كانوا ولا زالوا...وقد تعلمت منهم الشيء الكثير في المرحلة الثانوية بمكةالمكرمة “احمد بيومي - عبدالله باحاوي - حسين بانبيلة “ وكما قالوا - التعليم في الصغر كالنقش في الحجر... جزاهم الله خيرا وجعل ما قدموه في موازين حسناتهم...والله المستعان.