فالإسلام هو الدين القيم الذي فيه صلاح البلاد والعباد، وهو أعظم المنن التي منّ بها الكريم الوهاب، وقد تكفل الله لمن سلكه بسعادة الدنيا والآخرة، فيه المبادئ السامية، والأخلاق العالية، والنظم العادلة. إنه الدين الذي ينبغي لنا أن نفتخر به، وأن نتشرف بالانتساب إليه، فمن لم يتشرف بهذا الدين ويفخر به ففي قلبه شك وقلة يقين. إن الحق يخاطب حبيبه قائلاً: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) أي: شرف لك وشرف لقومك وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة. روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تُرضين أحدا بسخط الله ولا تحمدن أحدا على فضل الله، ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله. فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص، ولا ترده عنك كراهية كاره. وإن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في السخط). وهذا الحديث لا يعني- كما قد يُفهم- جحود الصنيع، وازدراء الفضل لمن أسدوا الفضل.. كلا ! فإن الحديث الآخر يقول:(مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ) .. ولكن معناه، ألا يُستبعد المرء بمنة وصلته من أحد حتى تُداس كرامته ! فإن المنة لله أسبق. وفي المقابل، لا يجوز للمعطي أن يَقصد بهبته شراءُ الأنفس والتصرفُ فيها كما يحب. فإن هذا يحبط أجره. إن القضاء يصيب العزيز وله أجره.. ويصيب الذليل عليه وزره.. فكن عزيزا- يا اخي المؤمن- ما دام لن يُفلت من القضاء إنسان!. ولقد عرف سلفنا رضوان الله عليهم أن الحياة إنما تصرف في مرضاة الله وطاعته، وأن عزهم في دينهم وتمسكهم به، وأن ارتباطهم إنما هو بالله الواحد الأحد.. وإليكم نموذجين على سبيل المثال لا على سبيل الحصر: حج هشام بن عبدالملك، فلما كان في الطواف رأى سالم بن عبد الله وهو يطوف وحذاؤه في يديه، وعليه ثياب لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، فقال له هشام:(يا سالم، أتريد حاجة أقضيها لك؟).. قال سالم:(أما تستحي من الله، تعرض عليّ الحوائج وأنا في بيت من لا يُعوز إلى غيره؟!) فسكت هشام، فلما خرجا من الحرم قال له: هل تريد شيئاً؟ قال سالم: أمن حوائج الدنيا أو الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا. فقال سالم: والله الذي لا إله إلا هو ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك؟. إنه الإيمان الذي ربى القلوب على التعلق بالله والنزول في حماه والالتجاء إليه والاعتصام به. واستمعوا إلى النموذج الثاني في قصة عظيمة، إنها قصة عمر رضي الله عنه حينما خرج إلى القدس ليتسلم مفاتيح بيت المقدس – أسأل الله أن يعيده إلينا – يخرج عمر على حاله المعروفة، فيستعرض الجيش الإسلامي العظيم، ويقول قولته المشهورة:” نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.. ثم يقترب من أبي عبيدة بن الجراح فيعانقه، ويبكي طويلاً، فيقول عمر رضي الله عنه: يا أبا عبيدة، كيف بنا إذا سألنا الله يوم القيامة ماذا فعلنا بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم ؟ فيقول أبو عبيدة:” يا أمير المؤمنين ! تعالى نتباكى، ولا يرانا الناس”.. فانحرفا عن الطريق والجيوش تنظر إليهما، فاتجها إلى شجرة، ثم بكيا طويلاً رضوان الله عليهم أجمعين. أيها المسلمون.. ترى هل سأل أحد منا نفسه ماذا فعلنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل حافظنا على سنته؟ هل اتبعنا ملته؟ ألم نفرط أو نضيع؟ ماذا قدمنا لهذا الدين؟ ومع ذلك لا نرى فينا باكياً..اللهم إنا نشكو إليك قسوة قلوبنا، فارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.