كل أمة حية تفخر بما حققه رجال أفذاذ ومميزون من أبناء الأمة في كل مجالات الحياة عامة والفكرية خاصة وقد أنجز رجال من تربة هذا الوطن العديد من الانجازات الكبيرة والتي كونت لنا مصادر معرفية على مستوى الداخل والخارج وهذا يندرج تحت مسمى الانجاز المعرفي من خلال أعمال خالدة لن تتكرر من غيرهم في هذا الزمن الذي سماته العقم الثقافي خاصة في جغرافية وتاريخ بلادنا بعد غياب رواد البحث الجاد والمتقن بعد رحيل هؤلاء الرواد أمثال حمد الجاسر وابن خميس والانصاري والعواد والسرحان وعبدالله عبدالجبار والفوده والعقيلي والجنيدل وغيرهم فهل بقى لدينا على الساحة الادبية من يمثل مستوى هؤلاء الرواد الذين غابوا عن هذه الدنيا الفانية واخرهم هذه الايام شيخ النقاد والتراجم الادبية الرائد عبدالله عبدالجبار وعلامة الجغرافيا وتاريخ الجزيرة العربية الثاني بعد حمد الجاسر عبدالله بن خميس الذي نذر نفسه لخدمة اداب وتاريخ وجغرافيا بلادنا لذلك اجزم بخلو الساحة الثقافية لدينا من ينافس مستوى هؤلاء الرواد الكبار الآن بعد رحيل آخرهم هذه الأيام وهما ابن خميس وابن عبدالجبار وارجو أن يظهر لدينا رواد آخرون بمواصفات وقدرة هؤلاء الاعلام الكبار الذين كونوا انفسهم ذاتياً دون شهادات عليا ودراسات منهجية انما كسبوا العلم من خلال اقتناء نوادر الكتب في زمن لا تتوفر فيه وسائل المعرفة والتواصل العلمي كما هو الآن فهل تغير الانسان الآن واقصد الانسان طالب العلم ونحن نعيش ثورة المعلومات وتدفق وسائل الاتصال عكس زمن الرواد الراحلين وأعتقد ان انسان اليوم ليس لديه طموح هؤلاء الفطاحل من رجل الثقافة السابقين انما شباب وشيوخ اليوم المعاصرون كل مصدر اهتمامهم هو الحصول على شهادة فقط وأخذ المعلومة السريعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع لذلك نجد الأمية الثقافية تسود المجتمع المتعلم (الأكاديمي) وبهذا أصبح لدينا أمية ثقافية تظهر في الوسط التعليمي وهذا يعني في حقيقة الأمر ان من يحمل مؤهلاً جامعياً يندرج تحت مسمى مثقف بل بالعكس يمكن أن نطلق عليه امياً لأنه يحمل المؤهل فقط في اختصاص منهج محدود جداً ولذلك نجد علماء العرب الذين صنعوا الحضارة العربية الإسلامية وكذلك رواد الادباء في بلادنا قبل سنوات لديهم شمولية معرفية في كل نواحي المعرفة وهذا هو الذي يجعلنا نخاف جداً على مستقبل البحوث الجادة في بلادنا بعد غياب الرواد الذين صنعوا لنا أمجاداً ثقافية ذات صبغة عالمية هم مصدر ومحل الفخر والاعتزاز بهم لما قدموا من انجازات في سجل الساحة الثقافية لدينا ولعل القادم يبشر بخير لمستقبل الفكر الجاد بعد أن وجد الآن للأسف الشديد بعض من يدعي التأليف في تاريخنا وأنساب قبائلنا وجغرافية بلادنا ويورد آراء ساذجة ومقولات تخالف الواقع وتسفه ما كتبه الرواد الذين رحلوا وهذا يدل على خلو الساحة الثقافية من المدافعين عنها بحق وحقيقة ولا يسعون من أجل الشهرة والظهور العقيم انما أهداف ومنهج اساتذتنا الافاضل من الرواد هو فقط الجودة والحق وليس لديهم مقاصد فردية أو جهوية أو عصبية انما لديهم الاعتماد على الحجة المقنعة فيما كتبوا من بحوث وتأليف فهل تغير الآن نسق الثقافة عن الماضي وقل الجادين فيها وبفقد الرواد خلت الساحة فعلا من قيم ومسار المنهج العلمي الذي كان سائداً سابقاً لعل وعسى أن تنجب بلادنا أمثال الجاسر وابن خميس والانصاري والعواد والسباعي وغيرهم كثير والله الموفق .