كان الزمن ميتاً عند شروق الشمس وكانت عصاه تضرب دفوفها عند الساعة السادسة صباحاً من ذلك اليوم المضطرب يوم الأحد العشرون من شهر جمادى الأولى من عامنا هذا حينما رآني ابتسم قليلاً وأومأ لي برأسه بأن أضع وجنتيَّ على جبهته وأخذ بيديَّ التي قبَّلت فيها شفتَّي يديه بفطرة مباركة وسحبني إليه حتى انسدلت عليه لبضع دقائق ثم شد بيديه الطاهرتين على يديَّ وأوصاني بكلمات مبحوحة وملامح جسده يهدرها الحزن فقد ضاعت في زحمة واحات الظمأ والتعب وأوتار الصمت وبراءة الإنسان. قبل أن تدق عقارب تلك الساعة المتحجرة على جدار الوقت معلنة خيوطها السابعة إلا ربعاً نظر إلي نظرة الضوء حينما يشتاق إلى الرحيل وسقطت حينها عناقيد المطر وانطفأ الحلم. والبؤس حينها يكاد يخنق دموعي والضجر صاحب فؤادي وانكسر. لحظات عنيدة تجرعت فيها حبري فخرجت كلماته باهتة وأنا أحدق في المستحيل والعصا بقربي تضرب على دفوف صدري بدوائر في الماء العذب فتهتز أكفان فيها آذان صاغية حينها أحرف مدادي كانت ضاربة في العمق تلتف بالصبر وتتوشح تلك المآذن الباكية.. هل رحلت ؟ وماذا تبقى لدي يا أبي من ضياء البدر في عيون فازعة.لم تكن أباً فحسب بل كنت صديقاً صدوقاً نرتاح سوياً إلى الآخر حينما يحاصرنا خناق البشر. كنت دائماً تردد تلك العبارة التي أصبحت أدمن فن قراءتها “ ألا يوجد موت في الحياه “ فأقول لك بلا زيفٍ “ نعم “ فتبتسم قليلاً بعد أن تنفض عيناك لبرهةٍ من الزمن وتمتد شفتاك لأعلى حتى تبلغ صدر شاربك ونمضي سوياً بعد ذلك بين أروقة الليل والألوان تتغير لتسكن الماضي في زهوٍ وحنينٍ لفرح يعشق العلم والأدب.. لقد رحلت عنا ولم ترحل فالرحيل الجسدي قدر البشر والفراق فيه ألم السفر وعبير روحك يا أبي معنا حتى ارتعاشات العمر. فأرقد بسلام أيها الشامخ فوجوه أصدقائك الأوفياء عليك تكاد تنشطر ودعاؤنا لك بجنة الخلد وحولك شجرٌ وقمرٌ ومطرٌ. أما نحن فعزاؤنا بأن ذلك هو قدرٌ قدر. ضوء البشر : أشكر كل الأصدقاء الأوفياء الذين لم يتركوني وحيداً أناظر أجفان الضجر وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير الإنسان الدكتور منصور بن متعب بن عبدالعزيز آل سعود وزير الشئون البلدية والقروية وصاحب المعالي الأستاذ محمد العلي الفائز وزير الخدمة المدنية ومعالي الدكتور أسامة بن فضل البار أمين العاصمة المقدسة ومعالي الأستاذ الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء وسعادة الأستاذ شاكر بن عبدالوهاب عرب وسعادة الأستاذ زهير بن حسن قاضي وسعادة الأستاذ عبدالمقصود محمد سعيد خوجه وسعادة الأستاذ حسن بن محمد علي زرين. وقفه : وكنا وإياكم نزور مقابراً فمتم وزرناكم وسوف نزار