فرضت أحداث عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة العربية لان أكتب عن استقرارنا وصلابته وجديته وما حققته دولتنا على طول سنوات مشوارنا من مؤشرات ايجابية في مجال الأمن. لقد شهدت العلاقات الدولية في السنوات الماضية شعارات مختلفة منها شعار الأمن الغذائي وشعار الأمن البيئي وغير ذلك من الشعارات، أما في وقتنا المعاصر فإنه يشهد شعاراً هو الحس الأمني القادر على حماية اهداف التنمية الوطنية، بل بكلمة أوضح حماية الوطن في اطار مفهوم الأمن القومي. فبعيون سعودية وعقل يفكر ويقارن كنت ارى واتدبر كل الظروف والاحوال التي اشاهدها على الساحة من حولنا الى ذكر الأمثال التالية (الصحة تاج على رؤوس الاصحاء لا يحس بها الا المرضى) ويقولون ايضا في الادبيات (لا يعرف الشوق الا من كابده) وارجو ان ننفرد الى الاستطراد لمثل هذه الاقوال والامثال المعروفة وانا لا اقع في سرد هذه الامثال سهواً او غفلة، وانما اقصدها قصداً، وأعمد اليها عمداً واستعين بها عند الحديث عن امتنا في عالم مضطرب لإضاءة الجوانب التي لا يصل اليها الضوء المباشر لتأكيد الحس الامني لدى شيوخنا وشبابنا ونسائنا واطفالنا. اختلف المفكرون حول التعريف بالأمن القومي وان كان هناك شبه اتفاق على انه يعني قدرة الدولة على حماية مصالحها القومية والاعلاء بها ومواجهة مصادر تهديدها سواء الخارجية او الداخلية، وفي اطار ذلك اقول ان هناك ثلاثة ابعاد كبرى للأمن القومي السعودي، القدرات العسكرية والتي تستطيع ان تردع مصادر التهديد الخارجية وتواجهها اذا اقتضت الضرورة ذلك وهو ما اصطلح عليه السياسة الدفاعية للدولة والقدرات السياسية التي تدفع الى اجماع الامة لحماية الوطن مما ينمي الولاء والانتماء وتعبىء الجميع لمشاركة فاعلة لحماية الوطن وهو ما يطلق عليه بالمواطنة، ثم القدرات الاقتصادية من اجل اشباع الحاجات الاساسية للمواطن. وفي اطار عالم مضطرب نجد أن الحديث عن الامن الوطني لا ينقطع، ولن ينقطع لان الحس الامني الذي ينبع منه مستمر ما دامت الحياة واستمرت .. وهذه حقيقة ينبغي ان نعترف بها، وهي ان الحس الامني اليوم ليس هو نفسه قبل سنوات فهناك متغيرات ايجابية وسلبية تحدث في هذا العالم المضطرب تجعل الحس الأمني السعودي متميزاً تماماً. لذلك يجري تقييم الحس الامني بحجم الامان والاستقرار اللذين تحققا في الحياة الداخلية للامة في عالم متغير من حولها، وبقيمة وقوة وفاعلية الدولة تجاه القضايا الأمنية المختلفة من اجل حماية المواطن وتحقيق سعادته في حياة مطمئنة. ولعلي اقول بصراحة وموضوعية انه على الرغم من الغموض الذي يحيط بمفهوم الامن الوطني في مختلف دول العالم لاسباب عديدة، فانه يمكننا الوصول الى تحديد واضح للحس الامني السعودي ويرجع الفضل في ذلك الى قوة عملية الانصهار الوطني التي فجر طاقاتها الملك عبدالعزيز رحمه الله، تلك العملية التي قادت الى اقامة مجتمع متماسك في شبه الجزيرة العربية الامر الذي جسد فكرة الامن الوطني في السلامة الاقليمية والسيادة الوطنية على تلك الرقعة من الارض التي امتدت لتشمل شبه الجزيرة العربية. ولكن هذا المفهوم للحس الامني السعودي اكتسب مدلولاً هاماً هو أن المملكة كما رسمها الملك عبدالعزيز من شخصيتها الاسلامية التي تلتزم في تنفيذ سياستها الامنية الملتزمة باحكام الله وشرعه وتنفيذ حدوده، وبذلك كان جوهرها (الامن السليم الفعال) والذي يهدف الى تحقيق الحماية الكاملة لامن المواطن، واثراء المجتمع روحياً في الأمن. وبمعنى آخر يمكن لي القول ان الأمن السليم الفعال يولد حباً وينفي شعور الخوف او يقضي عليه، بفضل تمسك الدولة بكتاب الله وسنة رسوله الكريم، وقدرتها على تنفيد حدود الله تأكيداً لسيادة المبادىء الاسلامية لمنفعة الوطن والمواطن. ان هذه الصورة الحاضرة المرسومة للأمن السعودي التي ولدت الحس الامني لدى المواطن في ظل هذا العالم المضطرب، وهي نفسها صورة ذلك الماضي الذي يبدو لنا جميلاً عظيماً في روعة امنه واستقراره يحمل كل صفات الدولة الاسلامية المتمسكة بكتاب الله وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، لأن الاسلام لم يكن على الاطلاق مجرد (دعوة دينية) يعمل في مجال العقيدة الدينية وحدها بل اهتم بأمري الدنيا والآخرة، وجاء لينظم حياة البشر من هنا الى يوم القيامة. ومما سبق نجد أن الحس الامني لدى الافراد بقوة أمن دولتهم لا يعدله شعور آخر لأن الحس الامني في أعماق المواطنين هو اعتزازهم بكل ما يعنيه مجتمعهم من تقدم وانجاز وتطور في كل المجالات وهو يعني ايضاً ماضيه وحاضره ومستقبله لأهله وذويه ومواطنيه، ويعتبر الحس الامني في ان تكون القاعدة الامنية راسخة وقوية في عالم متغير ومضطرب يتميز بعدم الاستقرار. خلاصة القول اقول بكل دقة وموضوعية ان قضية الاستقرار هي المفتاح الى قيام الحس الامني السليم، لان عملية الاستقرار في رسم المستقبل المشرق للمملكة تعتبر عاملاً اساسياً في توطيد الشعور العام بدعم المناخ الامني الذي يتمتع في ظلاله الانسان السعودي بحياة آمنة مستقرة، ولان الامة السعودية امة متماسكة تحرسها عناية الله بفضل اتباع شريعة الله في كل مجالات الحياة.. وصلى الله على معلم الانسانية وهو يقول لنا عبر القرون في حجة الوداع: (تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه).